رأينا
وراء كثير من التفاصيل تقف العلاقة الأردنية–السعودية على أرضية صلبة أظهرت مدى قدرتها على الاستجابة للتحديات في محطات كثيرة وربما كان آخرها قمة مكة التي انعقدت العام الماضي، ومن يتابع العلاقة بين البلدين، يدرك بأن تعبيراً كالذي أطلقه جلالة الملك في الرياض حول أمن السعودية من أمن الأردن هو تعبير صحيح ودقيق وليس كلاماً مرسلاً، والعكس أيضاً في هذه الحالة صحيح.
خارج إطار العلاقات السياسية التي لا يمكن أن تنفصل عن رؤى البلدين ومصالحهما في المدى القصير والمتوسط، فإن العلاقة الأساسية تكمن في علاقات معنوية تربط القيادتين والشعبين وتقوم على أساسها العلاقات في المدى الاستراتيجي البعيد، فالأردن هو أقرب دولة غير مطلة على الخليج العربي من أزمات المنطقة ومشكلاتها وطموحاتها وتطلعاتها، والأردنيون بشكل عام يتطلعون للعربية السعودية بوصفها شقيقة كبرى بوزنها السياسي والاقتصادي، وبوصفها شريكاً موثوقاً في السعي لصياغة مستقبل المنطقة.
في خطاب الملك للحكومة وفي ثنايا كلامه، كانت الإشارة إلى الدول التي تحب الأردن، ولم يكن الأمر يحتاج إلى كثير من الفطنة للإشارة إلى دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية ووقفاتها المستمرة مع الأردن، وثقة الملك في السعي المشترك لتحسين وتيرة التعاون بين البلدين الشقيقين واستثماره في منجزات تتحقق لدى الطرفين، ولذلك شدد الملك على التعامل بمسؤولية وشفافية مع المستثمرين وكان صريحاً مع الحكومة قبل أن يتوجه للرياض للمشاركة في أعمال منتدى مبادرة مستقبل الاستثمار، قبل أن يلتقي بشقيقه الملك سلمان بن عبد العزيز، ويناقشا جملة من القضايا المهمة على المستوى الإقليمي والعربي.
أتى خطاب الملك في المؤتمر ليركز على المستقبل وأسس الشراكة القائمة على تحقيق المنفعة للبلدان الشريكة وفي مقدمتها الأردن والسعودية، حيث يحضر هذه المرة التقدم النوعي الذي حققه الرياديون الأردنيون ونجاحاتهم المختلفة لتؤسس أرضية تعاون مع السعودية التي تبحث عن اقتصاد متنوع بعيد عن الثروة النفطية، ففي بلدين شابين بمتوسط أعمار المواطنين يكون أي خطاب لا يبدأ من الشباب وطموحاتهم بعيداً عن العصر ومنتمياً للماضي، وكم تضيق المنطقة بالمنتمين إلى الماضي وقضاياه على حساب المستقبل ومتطلباته.
الأوضاع الاقتصادية في مختلف أنحاء العالم تغيرت، والشراكات ستأتى في مرحلة مقبلة في صورة شراكات استراتيجية تعمل على جعل المنطقة مكاناً أفضل للعيش وإتاحة المزيد من الفرص لسكانها، وهو ما يشكل نقلة ناضجة في العلاقات الاقتصادية والسياسية تتجاوز الحديث عن التدابير الطارئة والمؤقتة تجاه البحث عن حلول تضمن الوصول إلى أفضل الثمار والنتائج من العلاقات التاريخية بين البلدين.
في وسط منطقة تتعرض كل يوم لأزمات جديدة وانهيارات متتابعة، تقف القامتان الأردنية والسعودية على مستوى القيادات والشعوب لتكونا مفتاحاً لأمل جديد يعزز الفرص في المستقبل.