د. هزاع عبد العزيز المجالي
يبدو أن جلالة الملك، وإن كان هناك من يعتقد أنه كان بعيداً عن المشهد، قد التقـــط الإشارة الناجمة عن حراك نقابة المعلمين, للمطالبة بمعالجة إشكاليات ضعف رواتبهم باختياره الوقت المناسب بعيداً عن الشد العصبي. وحتى لا تحسب أن توجهاته في سياق ردود أفعـال بحراك ملكي والمبادرة بإجراء العديد من اللقاءات مع أطياف مختلفة من الشخصيات الاقتصادية والإعلامية، وحضور عدد من الفعاليات الاقتصادية وبذهنية منفتحة، وبحوار بناء وعصـف ذهني قائم على احترام الرأي والرأي الآخر، لتحديد المشاكل وإيجاد الحلول وفقاً لرؤية ملكية شاملة، تعالج الاختلالات والإفرازات الناجمة عن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة, التي انعكسـت سلبا على الأحوال المعيشية للمواطن, لا سيما فيما يتعلق بملف الفقر و البطالة. ويبـدو أن رئيس الوزراء هو أيضاً قد التقط الإشارة الملكية سريعاً، وكأن لسان حاله يقول: إن ذلك بمثابة ثقة ملكية جديدة، وفرصة يجب أن تستغلها الحكومة في ترجمة الرؤية الملكية إلى أهـــــداف وحقائق على أرض الواقع, فكان إعلان الرئيس في أكثر من تصريح ولقاء البدء باتخاذ مجموعة من المحفزات والإجراءات الإقتصادية، تهدف إلى تخفيف القيود وزيادة الإعفاءات، لتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي، وكذلك زيادة فرص العمل أمام الشباب وغيرها من الإجراءات التي من شأنها أن تنعكس إيجاباً بشكل مباشر على حياة المواطنين, فكانت بداية أو باكورة هذه الإجراءات قرارا مرتقبا بزيادة رواتب الموظفين اعتباراً من بداية العام القادم, والتي لاقت ارتياحاً كبيراً من قبل الناس.
أعتقد أن تطور وسائل الإعلام المختلفة ومن أهمها وسائل التواصل الإجتماعي، قد أسهم في تعزيز دور السلطة الرابعة (الإعلام)، لتلعب دوراً جوهرياً في مراقبة أعمال الحكومة في كافة مؤسساتها ودوائرها، فأصبحت جميع أعمالها وقراراتها محط أنظار الناس، وخاضعة للمناقشة والمحاسبة الشعبية. وإن كان هناك في بعض الأحيان مبالغة وحتى تجنــي غير مـبرر في طروحات البعض إلا أنها فعليا عززت من دور المشاركة الشعبية في صنـع القرار، بل وانهـا قد تفوقت في كثير من الاحيان على دور مؤسسات رقابية مثل: مجلس النواب والأحزاب في التأثير والرقابة على أعمال الحكومة، وبالمحصلة لم يعد هناك شيء مخفي مهما صغرت أو كـبرت المعلومة، ويعتبر ذلك خطوة كبيرة لممارسة الديمقراطية الصحيحة وخطوة أيضا نحو دولة القانون.
يمكننا القول اليوم أن موقع رئيس الوزراء أو الوزير لم يعد فيه مكان للتقاعس، وأصبح فعليا تكليفــاً وليس تشريفاً، وللجادين فقط. وفي النهاية وحتى كتابة هذا المقال وان كنت لست مطلعـاً على التفاصيل الدقبقة للمحفزات الاقتصادية المنوي طرحها بالتفصيل، أو طبيعة التعديل على بعض وزراء الطاقــم الوزاري، أقول أن الكرة أصبحت في ملعب الحكومة ورئيسها الذي أثق به والذي يعلم أنـــه وإن كان قد استطاع تجاوز العديد من المطبات في طائرته، فالقادم صفحة جديدة في عُمر الحكــــومة أتمنى عليه ان لا يلتفت كثيراً للغيوم، ويمضي بها الى مدرج الأمان.