نظرا لتسارع الاحداث في الإقليم وخاصة التدخل التركي في شمال سوريا والموقف الأردني الواضح والصريح القائم على عدم التدخل في الشؤون العربية الداخلية وثوابته القائمة على الدفاع عن الأراضي العربية وتفاعل الأوضاع السياسية وتصاعدها في لبنان وفلسطين وسعي الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي لبدء إجراءات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، فقد استقبل جلالة الملك عدداً من الوفود الرسمية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاميركية والتي جاءت من اجل استيضاح موقف الأردن من التطورات في المنطقة وذلك لاعتبارات أهمها محورية الدور الأردني ومركزيته في معالجة القضايا العربية والإسلامية وكان اهم تلك الزيارات هو زيارة وفد مجلس النواب الأميركي وعلى رأسه رئيسة مجلس النواب نانسي بوليسي وكان هدف الزيارة المعلن هو الاطلاع عن قرب على موقف الأردن من التطورات الحاصلة في الشمال السوري وخاصة بعد قرار انسحاب القوات الاميركية من بعض مناطق شمال سوريا لأفساح مجال للأتراك للتمدد في المنطقة تحت يافطة المنطقة الآمنة وأبعاد قصد ثلاثين كيلو مترا جنوب الحدود التركية ووضعها امام مصيرها المجهول.
لقد حاولت رئيسة الوفد الأميركي التركيز على هذه الزاوية من المعادلة الإقليمية كمحور للحوار ولكن جلالة الملك وبحنكته السياسية المعهودة ربط التطورات الحاصلة في الشمال السوري انطلاقا من رؤيته الشمولية لتشخيص الصراع السياسي في الإقليم، من هنا أعاد جلالة الملك التذكير بالموقف الأردني الحازم والصارم حول صفقة القرن واعتبر ان حل الصراعات في المنطقة كاملة ينبع من رافد مركزي وحيد هو حل الصراع العربي الصهيوني وحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين وعروبة القدس وحق العودة للاجئين ما اكد انطباعا مسبقا للأغلبية الكبيرة من النواب الديمقراطيين وجزءاً لا يستهان به من النواب الجمهوريين بأن حل معضلة الشرق الأوسط يرتكز دون أي مواربة على المقاربة الأردنية الفلسطينية للحل القائم والشامل.
بذكاء فطري وظف جلالة الملك الاعتداءات الصهيونية والاقتحامات على المسجد الأقصى المبارك في ظل أسبوع الأعياد الدينية اليهودية عيد العرش المزعوم ليبين للوفد الأميركي بأن كثافة الاعتداءات الصهيونية وتدنيسهم للأماكن المقدسة الإسلامية وتطاولهم على مقام سيدنا يوسف في نابلس والحرم الابراهيمي في الخليل هو تعبير حقيقي عن مدى التعنت الصهيوني وان الهدف من هذه الاعتداءات وتكرارها وزيادة حجم المقتحمين للمسجد الأقصى هو محاولة لأحياء مشروع التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى المبارك والذي دفنه الشعب الأردني من خلال الأوقاف الإسلامية والشعب الأردني الباسل منذ زمن بعيد ولكن الكيان الصهيوني ما زال يراهن على هذا المشروع الذي يعتبره جلالة الملك خطا أحمر.
من هنا يأتي تصاعد الهجمات الصهيونية على حراس المسجد وموظفي الأوقاف الأردنية وهو ما اوضحه بشكل جلي تصريح وزير الامن الداخلي في الكيان الصهيوني وبوقاحة غير معهودة بان الوصاية الهاشمية كانت خطأ تاريخيا يجب التراجع عنه وذلك لصلابة تمتع بها موظفو الأوقاف الأردنية من حراس المسجد الأقصى وموظفين في مواجهة هذه الاقتحامات غير المسبوقة.
كل ذلك قد كان جليا في النتائج التي تمخض عنها اللقاء الرسمي الأردني الأميركي والذي اعتبر ان التصعيد الصهيوني ضد الوصاية الهاشمية رسالة مبطنة من قبل الصهاينة لوفد الكونجرس الأميركي وهو ما تم قراءته وتوظيفه سياسيا من قبل الدينامية الدبلوماسية التي يتمتع بها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
مواضيع ذات صلة