أ. د. ليث كمال نصراوين
من أهم الدروس والِعبر القانونية المستفادة من قرار المحكمة الإدارية العليا القاضي باعتبار أن قرار وقف إضراب المعلمين نافذ بالحال ما جاء في الحيثيات بأن «حق الطالب في التعليم هو الحق الأعلى والأسمى، وبأنه هو الأجدر بالحماية القضائية العاجلة». فما يستخلص من هذا الحكم الذي أصدرته أعلى جهة قضائية إدارية في الأردن هو أن الحقوق الدستورية ليست على درجة واحدة من حيث الأهمية، إذ تتفاوت فيما بينها تبعا للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل دولة على حده. فعلى الرغم من أن كل من الحق في الإضراب والحق في التعليم ?د وردا صراحة في صلب الدستور الأردني، إلا أن المحكمة الإدارية العليا قد اختارت أن تُقدم الحق في التعليم على الحق في ممارسة الإضراب، وذلك على أساس قانوني سليم مفاده وجوب تمكين الطلبة من اجتياز مراحل التعليم المنصوص عليها في قانون التربية والتعليم الأردني.
وما يؤكد سلامة هذا الموقف القضائي أن الاضراب كمظهر من مظاهر التعبير عن الرأي يمكن الاستعاضة عنه بأشكال احتجاجية أخرى. كما يتوافق هذا المبدأ القضائي مع ما هو منصوص عليه في قانون نقابة المعلمين الأردني، حيث تنص المادة (5) منه بالقول أن يتعين على النقابة أن تلتزم باللجوء إلى الأساليب المشروعة في تبني مطالب المعلمين وخاصة الحوار.
إن هذا الحكم الذي قضت به المحكمة الإدارية العليا ينطوي على تفسير لنصوص الدستور من قبل القضاء. فكما هو معلوم أن الجهات التي تملك تفسير الدستور متعددة ولا تقتصر فقط على المحكمة الدستورية. فكل من القضاء العادي والفقه القانوني يملكان الحق في تفسير النصوص الدستورية، إلا أن الاختلاف يكمن في القيمة القانونية لقرار التفسير الصادر. فما تقضي به المحكمة الدستورية من تفسير يكون له الحجية ذاتها المقررة للنص الدستوري، وما يصدر عن المحاكم العليا من تفسيرات للنصوص الدستورية تشكل مبادئ قضائية يمكن الرجوع عنها وفق أحكام الق?نون، في حين أن التفسير الفقهي لنصوص الدستور يعتمد بالدرجة الأساسية على مكانة الفقيه العلمية والأكاديمية.
وبالرجوع إلى قرار المحكمة الإدارية العليا، نجد بأنه قد جاء متوافقا مع المعايير الدولية لحقوق الطفل كما وردت في اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والتي صادق عليها الأردن وفق الأصول الدستورية المقررة في المادة (33/2) من الدستور. فهذه الاتفاقية تقرر مبدأ المصلحة الفضلى للطفل، والذي يعرّف بأنه كل إنسان لم يتجاوز سن الثامنة عشرة من عمره، وذلك في كافة المجالات الصحية والأسرية وبالأخص التعليمية. فالمادة (28) من اتفاقية حقوق الطفل تفرض على الدول الأطراف وجوب الاعتراف بحق الطفل في التعليم، وأن تسعى جاهدة إلى تحقيق الإع?ال الكامل لهذا الحق على قاعدة تكافؤ الفرص، وعلى أساس اعتبار أن التعليم الابتدائي إلزامي ومتاح للجميع بشكل مجاني.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
[email protected]