بعيدا عن السّلاح, عن المدافع والصواريخ والمسيّرات, دعونا نتفيّأ بظلال شجرة الحور! شجرة الحور في بلدي تسرّ الناظرين, تشرح قلوب العاشقين, تأخذ هامتها منها, متنصبة للسماء أنفة وكبرياء. تعشق الطير ويعشقها, تعشق الحمائم العصافير الزّرازير العنادل والكروان, ترّفّ بأجنحتها تفلّي جسدها، تتقابل تتغازل تتناغم تتهامس تشدو أجمل شدو وأعذب الألحان من غزل و من وطنيّة.
تقف شامخة منتصبة العود, معتدلة لا اعوجاج فيها. ملفوفة القوام لا انتفاخ هنا ولا انبعاج هناك. في حالها، لا تمدّ أذرعتها في أيّ اتجاه. كلّ أذرعتها من منبتها حتى رؤوسها تلامس عودها ترتاح عليه, شامخة مرفوعة الرأس إلى السّماء...ليس أيّ سماء, بل إلى الأعلى فالأعلى. «شجرة الحور» هي الأجمل, الأكثر وسامة وشموخا, والأرقى.
يقولون: إنطوائيّة. لا تتدخّل بأحد لا تمدّ يدها لأحد. بل هو الكبرياء. لا ترخي فروعها على أسوار أحد تعتدي على خصوصياته على هوائه. لا تَسّْاقط أوراقها في الخريف وحتّى خريف العمرعلى فناء أحد, فكلّ فروعها مرفوعة متّجهة للأعلى...للعلى. تبتهل تصلّي, تناجي السّماء والمطر والرّيح والسّحاب. تستعطف دواكن الغيم الحبلى بتوائم من(حبّ العزيز واسنان العجائز ) بالرّزق ولن تتأخّر, فالمطر يحبّ شجر الحور. من منّا لا يحبّ«الحور» ؟! لا..يعشقه, مكسوّ كان أم عرياناً!!. شجرة الحور تتعرّى تغسل عودها فروعها وأنامل نبت براعم الخير منها. لترتدي أبهى حللها في عرسها يوم يأتي ربيعها أخضر كالزّمرّد.
أشجار الحور في وطني كما الأشجار على رؤوس جبالنا؛ السرو والصنوبر والأرز وألف ألف صنف, تستقبل النّسور والصّقور والهداهد, هدهد (ستّنا بلقيس). جلالة الملكة «بلقيس» مرّت من هنا في ليلة مقمرة, شمّرت عن ساقيها يوم عبرت النهر وبحرنا الأبيض. لم يكن هناك يومها سوى نهرنا «الأردن» يروي الأرض, كلّ الأرض, كلّ الخلق حتى مأرب وبلاد الهند أحمر وأصفر والسّند وبلاد تركب الأفيال و السّباع وحتّى الضّباع. يومها, لم يكن يرويها سواه. الملوك وكبار القادة.. «القادة» عبر التاريخ, مرّوا من هنا, أقاموا هنا. فيهم ملوكٌ...«ملوك» أمجاد، سطّروا صفحات من نور, عشقوا الأرض دافعوا عنها أعزّوها فأعزّتهم. كذا الشّعراء والأدباء والفرسان والعلماء من وادينا «غور الأردن» محلّ الطامعين الآن في زمن أغبر به الكثير من الغبر, وما حوله حتّى غرناطة.
الحور في وطني أخذت اسمها من ربيع الجنّة, من حورها. صبايا شامخات كالبدر, ملفوف عودهن. الإنسان من بني وطني له نصيب من حور في وطنه هنا، وحور كثير هناك في علييّن أعدّت للصابرين. بنو وطني هم الصّابرون. . عجّزوا الصّبر فلان دان لهم, أخذ اسمه منهم. بنو وطني وقفوا وحدهم, دافعوا عن الأرض وشقيقاتهم أشجار الحور يدا بيد. جزاؤهم بما صبروا؛ الكثير من حور الجنّة هناك, وحور في الجنّة هنا. وهل على الأرض من جنّة, سوى بلدي؟!
الحور وشجر الحور.. في بلدي
11:30 20-9-2019
آخر تعديل :
الجمعة