رأينا
تتسم زيارة جلالة الملك لرئاسة الوزراء وقيادته لاجتماع موسع مع الفريق الوزاري بالاستثنائية ضمن رؤية الملك الإصلاحية وخاصة لما تأسس خلال العقدين اﻷخيرين من توازن بين السلطات كانت تضبطه وترعاه المرجعية الملكية ضمن منظومة من المحاسبة والمراجعة المستمرة بوصفها الروافع الأساسية للإصلاح السياسي الذي يتطلع الملك لاستئناف مسيرته.
الموازنة بين التدابير العاجلة للمضي بالأردن قدماً في وسط المنطقة المتوترة والمشتعلة، والاستراتيجيات المطلوبة لتحقيق نهضة شاملة تستثمر صمود الأردن ومنعته، أبدت تفرد النموذج الملكي في إدارة المسافة بين جميع الأطراف دولياً وإقليمياً ومحلياً ووجهت الدفة بعيداً عن الاهتزازات الكبرى.
تأتي زيارة الملك لمقر رئاسة الوزراء في سياق التقدم بمسافة مدروسة لتصحيح مسار العمل الحكومي والوقوف على المنجزات ومواطن التقصير، وإعادة تأكيد المفاهيم وتحميل الحكومة مسؤولياتها الكاملة لأداء دورها ضمن المنظور الأشمل الذي يسعى إلى ترجمة تضحيات اﻷردنيين وجهودهم إلى مكتسبات ملموسة.
خطاب الملك يبدأ من الواقع المعيشي للمواطنين، ويعيد في هذه الزيارة وضع الحصان في مكانه المناسب أمام العربة، ويشدد على الحكومة بأن تيمم وجهها دائماً أبداً تجاه المواطن، ويضع الملك الحكومة أمام ضرورة توضيح برامجها وأعمالها للمواطنين ضمن مفهوم الشراكة والقيادة من الميدان ووسط الهموم اليومية للمواطن اﻷردني، فالشفافية في العمل مبدأ ملكي لا يقبل التجزئة ولا المبررات التقليدية والمعادة، ولطالما قدم الملك المثل في حواره الصريح والمباشر مع المواطنين في مختلف الظروف.
للتوقيت مرة أخرى مكانته المتقدمة في خطاب الملك، ويضع جلالته مهلة نهاية العام من أجل تجاوز المرحلة الصعبة مطالباً بالتخفيف عن المواطنين بوصفه التحدي الأساسي أمام الحكومة، ومع ذلك يلقي جلالته للحكومة بالإشارات الشبيهة بطوق النجاة ويؤشر للاستثمار في الطاقات البشرية اﻷردنية، وفي القطاعات الاقتصادية المختلفة، ويُهدي الملك للحكومة ظرفاً موضوعياً من أجل العمل على حزمة من التشريعات والإجراءات تجاه فتح اﻷبواب للمبادرة الاستثمارية، وعلى الحكومة هذه المرة أن تستثمر التوجيه الملكي لتجاوز العوائق والارتقاء لمستوى التحديات.
يستعرض الملك محاور متعددة يمكن للحكومة أن تمضي في مباشرة العمل عليها، ويكاد يعفي الحكومة من جهودها المستمرة في إعادة اختراع العجلة، فالثروات اﻷردنية معروفة واستغلالها الأمثل والمسؤول هو التحدي اﻷساسي أمامها، فالمواطن اﻷردني أثبت مسؤوليته ووعيه بصورة تجعله محطاً للإعجاب في وسط المنطقة المضطربة، وعلى الحكومة أن تبذل من خلال تفعيل أدوات الشفافية والمساءلة كل جهودها لتكون بمستوى المواطن.
تحمل اﻷردن الكثير من الضغوط في السنوات اﻷخيرة، وإذ يمنح الملك فرصة محددة المعالم للحكومة فإنه يعلن تحيزه كالعادة إلى شعبه ومواطنيه، وتتوهم أي حكومة إن اعتقدت بأن الموقع الملكي يمكن أن يغادر هذا الانحياز مهما كانت الضغوط أو التحديات كبيرة، ومهما بدت مقنعة الحجج والمبررات.