د. هزاع عبد العزيز المجالي
لا أريد الحديث حول تعديل قانون التنفيذ القضائي، بعدم حبس المدين لأنني أعلم أن مساوئه كثيرة، ولا يمكن تطبيقه إلا في حدود وحالات معينة، لأن نجاح تطبيقه في بعض الدول يعود لإيمانهم في المنظومة المتكاملة من القوانين والقيم تمكن الدائن من تحصيل حقوقه. إن حديثي في هذا المقال يتناول نوعاً اخر من الوفاء بالدين المتعلق بصدق الرجال بالوفاء بالوعد الشفوي الذي يعطيه الشخص لآخر للقيام بأمر أو الوفاء بالدين دون أن يكون هناك أي التزام سوى كلمته. لقد اشتهر العرب في عهد الجاهلية وفي الإسلام بقدسية الوفاء بالوعد. هناك الكثير من الامثال التي اشتهر بها العرب للوفاء بالدين منها على سبيل المثال: الرجل يرتبط من لسانه وكلمة الحر دين وكلمة الرجل مثل السيف، وغيرها الكثير من الأمثال التي تدل على الوفاء بالوعد الذي ينطق به الرجل.
يقال إنه في زمن الخليفة عمر بن الخطاب طلب شاب قتل شخصاً لخلاف بينهما، أن يمهله الخليفة ثلاثة أيام ليذهب لتأمين حاجيات أهله قبل تنفيذ حكم الإعدام به، وقد كفله (ابوذر الغفاري)، رغم أنه لا يعرفه وانه سوف ينفذ حكم الاعدام به عند غروب اليوم الثالث. وعندما حان الموعد ولم يتبق سوى دقائق لغروب الشمس وتنفيذ حكم الإعدام في ابو ذر حزن الناس عليه كثيرا بعد رفض أهل المقتول الصفح عنه، واذا بالفتى يأتي من بعيد وعندما سأله الخليفة لماذا عدت؟ أجاب: يا أمير المؤمنين إنني لا أخشى الموت فهو مكتوب لكل الناس ولا يمكن الفرار منه ولكني أخشى أن يقال إن الوفاء قد ذهب بين الناس فعفى عنه أهل المقتول لوفائه بالوعد.
لقد اشرق الإسلام شرق آسيا بأخلاق وصدق التجار المسلمين بوعودهم، فكانوا يعقدون الصفقات التجارية ويقبضون الأموال ويحضرون البضائع في الوقت المحدد دون أي ورق مكتوب. وفي الغرب (غير المسلم) الإنسان صادق حتى يثبت غير ذلك لان ذلك تعبير عن ثقافة مجتمعية من المعيب مخالفتها. أما نحن فلقد فقدنا كثيراً من القيم الدينية والاجتماعية ولقد أصبح الوفاء والصدق هو الإستثناء والكذب هو القاعدة، ويغريك ما تسمعه من بعض الناس من كلمات مثل: «إن شاء الله، توكل على الله، عندي» والكثير من العبارات وتعتقد بأنه صادق وهو يكذب تطبيقاً للمثل الشعبي الذي يقول: «الكذب ملح الرجال» مبررين ذلك بقولهم انهم لا يكذبون بل يجاملون. لقد انعدمت الثقة بين الناس فعندما تمدح شخصاً بأنه صادق تسمع عبارات التشكيك: لا يغريك، كذاب، مجامل، ضعيف وغيرها من عبارات التحذير وسرد القصص الصحيحة وغير الصحيحة، وأختم هذا المقال بما قاله للشاعر الكبير أحمد شوقي:
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه/ فقوم النفس بالأخلاق تستقم
وقوله: المرءُ ليس بصادقٍ في قوله/ حتى يؤيد قولهُ بفعالهِ.