أ.د. محمد الرصاعي
في موازاة دور الحكومة في توفير فرص العمل للمواطنين يتوجب بذل جهود مماثلة في مسارات عديدة منها الإجراءات التي تدفع لإحلال العمالة الوطنية مكان العمالة الوافدة، وقد يكون المسار الأهم في هذا السياق هو تعديل سلوك وثقافة العمل لدى المواطنين للقبول بالعمل في مهن ووظائف تسيطر عليها العمالة غير الأردنية، فمن غير المعقول وجود نسبة بطالة مرتفعة في دولة يزيد فيها عدد العاملين الوافدين عن مليون عامل.
في الفترات القليلة الماضية تراجع عدد الوظائف الحكومية المتاحة للمواطنين، الشيء الذي عمل على توجيه العمالة الوطنية نحو القطاع الخاص والحِرَّف المتنوعة والعمل الحر، ولكن عادنا لسياسة التوظيف في بعض القطاعات الحكومية تحت ضغط بعض الاعتصامات والمسيرات للمتعطلين عن العمل، وهي وظائف ذات أجور متواضعة ولا تحوز فرصا لشاغليها لتطوير قدراتهم، كما أن هذه الوظائف في غالبها خارج حدود الحاجة الفعلية مما يساهم في تكريس البطالة المقنعة.
ورغم أن عدد الوظائف الحكومية المتاحة قليل غير أن هذه السياسة ستقلل من قوة دفع العمالة والشباب المتعطل عن العمل للذهاب صوب الأعمال المهنية، كما ستضعف دافعيتهم للسعي للتدريب وبناء القدرات.
بناء اقتصاد وطني ناجح ومنتج مَهمَّة مركزية للحكومات، وفي حالة كحالة الاقتصاد الأردني بما يمتلك من خصائص ومكتسبات وما يواجه من عناصر تهديد، لا بد من سياسة تعمل على إعادة بناء ثقافة العمل والانتاج لدى الشباب الأردني، وأن تكون العمالة في سوق العمل أردنية بمجملها، حيث يمكن أن تعمل هذه السياسة على احتفاظ الاقتصاد الوطني بأموال تقدر بالمليارات نخسرها في الوقت الحاضر بسبب الحوالات المالية للعمالة الوافدة، عدا عن تجاوز الآثار الاجتماعية الجسيمة للبطالة.
وفي الحالة الأردنية أيضاً لا يوجد شح في فرص العمل المتاحة ولكن تكمن الاشكالية في الإحجام عن استغلال هذه الفرص، وتباطؤ الاستجابة للمتغيرات في طبيعة المهن ومتطلبات التشغيل، حيث يسعى معظم الشباب الأردني الباحث عن عمل صوب العمل في المهن الإدارية والكتابية والفنية، ويفضلون انتظار هذه الوظائف على القبول بالعمل المهني.
دخول كبيرة تحققها الأعمال المهنية في مجال الميكانيك والصيانة والخدمات، عدا عن الإمكانية الكبيرة لحيازة مشاريع منتجة قد تكسب صفة الاستمرارية وتنامي الدخل العائد على الشباب، ورغم ذلك يبقى الشباب الأردني الباحث عن العمل في انتظار الوظيفة الحكومية رغم الامتيازات المتواضعة.
تعديل الثقافة وبناء الوعي حيال العمل المهني والانخراط في السوق عملية يجب أن تسير بموازة خطط تنمية الموارد البشرية التي تلقى رعاية واهتماما من جلالة الملك عبدالله الثاني، كما يتوجب تحديد الجهات والبرامج التي تقوم بهذه المهمة الوطنية التي تأخذ أبعادا اجتماعية واقتصادية في غاية الأهمية.
[email protected]