كتاب

سنغافورة.. وحرب الملك

هذا العنوان لم استطع أن أجد رديفاً له لأتوج به هذه المقالة لأنها الحرب الحقيقية ما بين القيم الإنسانية والاجتماعية التي راكمتها الإنسانية على مدار التاريخ والقائمة على احترام حقوق الإنسان والمجتمعات والأفراد واعتبار كرامة الشعوب والإنسانية هدفا للحفاظ على تجليات المعرفة الإنسانية والتي انبثقت من تراكم تلك المعرفة على مدار التاريخ، إنها حرب يقودها جلالة الملك ضد التطرف والإرهاب، وأخيراً وليس آخراً ضد الشعبوية والانعزالية والتقوقع الذاتي الذي يوصل إلى العصبية والتعصب ورفض الآخر هذه الحرب أطلقها جلالة الملك منذ توليه سلطاته الدستورية قبل عشرين عاماً.

لذلك كله عندما القى جلالة الملك كلمته الافتتاحية في المؤتمر الدولي للتماسك الاجتماعي الذي عقد في سنغافوره ككلمة مركزية محورية فاجأ جلالته المراقبين وأعضاء المؤتمر في منهجيته التي يتضمنها خطابه الافتتاحي في الربط ما بين الحس الإنساني العام وتجلياته والواقع السياسي في المنطقة فلم يلحظ أي مراقب فصلاً طبيعياً ما بين السياسة والحس الإنساني الاجتماعي كما هو معروف في مثل هذه المؤتمرات وهو الربط ما بين الوئام كثابت إنساني والشعبوية المنبوذة بالشكل والمضمون والتي تتفشى في العالم والفكر المتطرف ومكافحة الإرهاب وأن الشعبوية والإرهاب وجهان لعملة واحدة في النتائج والأهداف وهذا الربط عبر عن ذكاء وقدرة استشرافية وقراءة موضوعية فريدة في تشخيص وتحليل هذه التحولات ونتائجها.

فقد ركز خطاب جلالته على أن الحل الاستراتيجي والمركزي للقضية الفلسطينية ببعدها السياسي وبعدها الإنساني هو العصا السحرية القادرة على حل كل أزمات المنطقة والقادرة أيضا على تجسير الهوة القيمية بين الحضارات والجماعات والتجمعات الإنسانية في كل انحاء العالم. من هنا انطلق جلالة الملك بالدعوة إلى العودة الى الثوابت القيمية الداعية للوئام بين المجتمعات والأديان أي وبالمعنى النظري الحفاظ على المكتسبات الرأسمالية التي خطت الطريق إلى تعميق فهم حقوق الإنسان والمرأة وحق المعتقد وحق المعلومة وحرية التعبير المطلقة عن الرأي والتي أدت التطورات الطبيعية للنظام الرأسمالي للوصول بها الى طريق مسدود كونها صنعت تناقضاً ما بين السعي إلى المكتسبات المالية ومراكمة رأس المال ومركزته إلى الدخول في تناقض مع الوعي الجمعي الإنساني حول التكامل الحضاري والحفاظ على الإبداعات البشرية التي مهدت لنظرية معرفة إنسانية جوهرها الوئام، لذلك تكررت هذه الكلمة في خطاب جلالته والتي نوهت لها الرئيسة السنغافورية حين قالت: «إنك يا جلالة الملك صاحب الأولوية في التحذير من الشعبوية من خلال شمولية محاربة التطرف وأسبوع الوئام بين المجتمعات والأديان الذي اقر كأسبوع دولي اعتمدته هيئة الأمم المتحدة بمبادرة منكم، والتي بدأت تتفاعل على الصعيد الدولي إضافة لمبادراتكم في رسالة عمان وكلمة سواء هي التي جعلت من جلالتكم قائداً لهيئة أركان جيش المدافعين عن الإنسانية في حربها الضروس ضد التطرف والانعزال وكراهية الآخر».