أثارت تصريحات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، حول رؤيته لمستقبل الصراع في غزة والمنطقة، ردود فعل واسعةً بسبب ما تحمله من دلالات سياسية وعسكرية وقانونية خطيرة، وتأثيرات إقليمية ودولية محتملة. فتصريحاته التي تضمنت "تطهير غزة" من سكانها، والاشارة الى استمرار دولة الاحتلال الاسرائيلي في توسيع عدوانها ضد دول المنطقة وصولا الى تفكيك سوريا وضرب المفاعل النووي الايراني والمضي قدما في العدوان على لبنان، تعكس استراتيجيةً توسعيةً تهدد الاستقرار الإقليمي وتتناقض مع القانون الدولي.
تُمثل تصريحات المتطرف سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية الدينية"، امتداداً لخطاب متشدد داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي، الذي يُرَجِّح استخدام القوة العسكرية المفرطة على الحلول الدبلوماسية، الامر الذي يزيد من احتمالية جعل المنطقة بيئة خصبة لظهور مجموعات متشددة او متطرفة تستقطب بسهولة الملايين من الاتباع تحت حجة مواجهة تطرف الاحتلال الاسرائيلي والتصدي لاعتداءاته المستمرة والمتصاعدة ضد دول وشعوب المنطقة مما يجعل المنطقة برمتها على فوهة بركان، ويبقيها مهددة بصراعات وحروب بما تجره من دمار وويلات تطال الجميع، ولا يمكن معها ان تنجح اية جهود اقليمية او دولية لإحلال الاستقرار والسلام فيها.
من جانب اخر تثير فكرة "تطهير غزة " وإخراج مئات الآلاف من سكانها تساؤلات اساسية مهمة حول مدى عدم احترام دولة الاحتلال الاسرائيلي للمعايير والمواثيق والقوانين الدولية، فالنزوح القسري للسكان يُعتبر انتهاكاً صريحاً للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر التهجير الجماعي ويحمي حق المدنيين في العودة إلى ديارهم، كما أن الحديث عن نقل سكان غزة إلى "دول أخرى" يُنذر بتكرار مأساة اللاجئين الفلسطينيين عام 1948، ما قد يُفاقم أزمات اللجوء في دول المنطقة التي ترفض استيعاب لاجئين جددا، ويحتاج الى جهود دولية حقيقية وصادقة لمواجهة التطرف المتصاعد والاعتداءات الاسرائيلية المتزايدة على دول وشعوب المنطقة وضربها بعرض الحائط كل الجهود الدولية الرامية الى احلال السلام والاستقرار في المنطقة ومنح الشعب الفلسطنيني حقوقه التاريخية في الحصول دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية.
لا تتوقف تصريحات سموتريتش التصعيدية عند حدود غزة، بل تمتد إلى الدعوة الصريحة لـ"تفكيك سوريا"، وهو تصريحٌ يُمثل تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، ويعكس رؤيةً توسعيةً تهدف إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية للمنطقة وفق مصالح إسرائيل. فسوريا، التي أنهكتها الحرب الأهلية وتدخلات القوى الخارجية منذ 2011، لم تعد حليفاً أساسياً لإيران وحزب الله، ما يبطل مبررات تفكيكها – من وجهة النظر الإسرائيلية – باعتبارها كخطوةً مهمة لقطع "حلقة النفوذ" الإيراني التي كانت تمتد من طهران إلى بيروت. ولذلك فإن هذه الدعوة في هذا التوقيت تحديدا تُنذر بتمزيق النسيج الاجتماعي السوري الهش أصلاً، وتعزيز نفوذ الجماعات المسلحة والميليشيات الطائفية، مما قد يفتح الباب أمام صراعات إثنية ودينية جديدة تهدد استقرار دول الجوار مثل الاردن ولبنان والعراق وتركيا.
اما من الناحية القانونية، فإن الدعوة لتفكيك دولة عضو في الأمم المتحدة تنتهك مبادئ القانون الدولي التي تحظر الاعتداء على وحدة الأراضي والسيادة الوطنية، كما أنها تتعارض مع الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي في سوريا بقيادة الأمم المتحدة. دولياً، قد تُشكل هذه التصريحات مدخلا لعودة ظهور المليشيات والمجموعات المسلحة في المدن والقرى والشوارع السورية تحت ذريعة "مواجهة المخططات التقسيمية"، في حين أن القوى الاقليمية والدولية التي تتنافس على النفوذ في سوريا، قد تجد في هذه التصريحات فرصةً لتعزيز أجنداتها المتضاربة، مما يُعمق أزمة الشعب السوري ويُبعد أي أفق حقيقي للسلام.
لا تقتصر رؤية المتطرف سموتريتش على غزة وسوريا، بل تمتد إلى مواجة إيران وحزب الله المدعوم من طهران، فالتصريح عن "ضربة قاسية" لحزب الله يُنذر بفتح جبهة لبنان، خاصة مع تزايد الاشتباكات الحدودية الأخيرة، كما أن الحديث عن إيران "بلا تهديد نووي" قد يشير إلى نية إسرائيلية مبيتة لتصعيد الضغوط أو شن ضربات استباقية ضد ايران ومواقعها النووية والعسكرية، ما يعزز خطر نشوب حرب إقليمية شاملة.
هذا التطرف الاسرائيلي قد يضع المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة والدول الغربية الداعمة لدولة الاحتلال، في موقف حرج، فبينما دعم الرئيس بايدن عمليات إسرائيل العسكرية سابقاً، فإن تزايد التطرف الاسرائيلي والدعوة إلى تهجير المدنيين الفلسطينيين قسرا قد تدفع دول المنطقة والمجتمع الدولي إلى إدانة إسرائيل، لا سيما مع تصاعد الضغوط من منظمات حقوقية وأممية. في المقابل، قد تستغل إيران وحلفاؤها وغيرها من المليشيات والجماعات الدينية المتطرفة كداعش هذه التصريحات لتقديم نفسها كمدافعة عن المظلومين، وتعزيز نفوذها وادخال المنطقة في دوامة فوضى وصراعات جديدة.
في الختام يمكن القول ان تصريحات المتطرف سموتريتش ليست مجرد خطاب عدواني، بل تعكس سياسةً توسعيةً تهدد بتفكيك الواقع الجيوسياسي في الشرق الأوسط، فبينما تسعى دولة الاحتلال الاسرائيلي لفرض هيمنتها على الاقليم، تتعاظم مخاطر حرب إقليمية واسعة، وتدهور الوضع الإنساني في غزة وعموم الاراضي الفلسطينية، وعليه فإن مواجهة هذه التحديات تتطلب تحركاً دولياً فاعلاً وجادا لفرض حلول سياسية تحمي المدنيين، وتعيد الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات، قبل أن تتحول المنطقة إلى برميل بارود ينفجر بوجه الجميع.
