في وقت تتضارَب فيه التصريحات حول نتائج المساعي التي يبذلها "الوسطاء" من أجل التوصل إلى "هدنة" لوقف المجازر التي يقارفها جيش الفاشية الصهيونية في قطاع غزة، وما تعلنه دولة العدو عن "رفض" نتنياهو اقتراح حركة حماس إعلان هدنة طويلة الأمد نسبيا (5 سنوات)، وإطلاقها الأسرى الصهاينة دفعة واحدة، مقابل عدد "يُتفَق عليه" من الأسرى الفلسطينيين، غاب عن وسائل الإعلام العربية وعلى نحو لافت، الخطاب الطويل والناري (45 دقيقة) المحمول على غطرسة وتحدٍ ووقاحة، الذي ألقاه مُجرم الحرب/نتنياهو مساء الأحد الماضي، أمام مؤتمر عقدته رابطة الأخبار اليهودية "جويش نيوز سينديكيت" (JNS) في القدس المحتلة، أعلنّ فيه/نتنياهو في شكل استعراضي ـ من بين أمور أخرى ـ أن إسرائيل "ستُسيطر عسكرياً على قطاع غزة، ولن تسمح للسلطة الفلسطينية بأن تستبدِل حماس في الحكم نهاية الحرب".
وإذ زعمَ هذا الفاشي الصهيوني أمام "أميركيين يهود"، أن "السبب الوحيد أننا لا نقضي على حماس هو المخطوفون"، (مُرحباً بخطة "تهجير الغزيين" التي تبنّاها وما يزال تاجر العقارات ساكن البيت الأبيض)، فقد ذهبَ/نتنياهو بعيداً في أكاذيبه الموصوفة، عندما إدّعى ان "اصرار السلطة الفلسطينية على مُعارَضة الدولة اليهودية، لا يزال العقبة الأساسية للتغيير في الشرق الأوسط".
لم يتوقف نتنياهو عند هذا الحدّ بل واصل مُنتشياً القول: "يتعيّن علينا إنهاء الحرب في غزة، وإعادة المخطوفين وإبادة حماس"، مٌكرراً ترحيبه بخطة تهجير أهالي القطاع الفلسطيني ومُردفاً في استعلاء"صدِّقوني، الكثير منهم يُريدون المغادرة". الفرضية في وسائل الإعلام العالمية ـ أضافَ نتنياهو ـ التي بموجبها الدخول إلى رفح سيُسبب قتلاً جماعياً لمواطنين، اتضحَ أنها غير صحيحة. لقد احتللنا محور فيلادلفي، وليس بإمكانهم تهريب أسلحة". ثم استطردَ في سردية من التبجح والمزاعم: "قلتُ في اليوم الثاني للحرب اننا سنغيّر الشرق الأوسط، وسنتوجه إلى غزة أولاً. وقالوا لي في واشنطن ألاّ ندخل إلى القطاع وأن ننفذ ذلك من الجو، لكني قلتُ لجو بايدن: "جو، لقد جرّبت هذا. ليس كافياً. نحن مُلزمون بالدخول إلى هناك". وتوجّهنا إلى خانيونس ووصلنا إلى رفح، وعندها أيضاً قالوا "دعكَ، لا تدخل". وقلت لبايدن: "إنني أحترمك، لكننا سندخل. وسننفذ ما ينبغي من أجل الدفاع عن أنفسنا".
ما لبثَ/نتنياهو أن صوّب على الملفات الداخلية التي تواجهه، مُستحضِراً مصطلحاته الخاصة لمهاجمة خصومه في المعارضة السياسية (كما المؤسسة العسكرية والأمنية، وإن ليس بشكل مبشر بالنسبة للعسكرية/الأمنية) قائِلاً: إن أمام إسرائيل جبهة أخرى، هي "الدولة العميقة"، وتابعَ: أن "الدولة العميقة" عندكم في أميركا هي "بركة ماء صغيرة"، و"عندنا هي محيط". وهذا يُهدد الديمقراطية، ويستهدف حقوق الناس، وينبغي حل هذا الأمر". مُستدرِكاً: "توجد أكاذيب تنتشر في أميركا من خلال حملة مُتواصلة، تمولها دول وأشخاص أثرياء معدودون وتُدفع لمؤثرين ويُهاجمون المُؤيدين لإسرائيل. وهذا خطر على مستقبلنا. وإذا كان هناك أمر ينبغي فعله، فهو العودة إلى محاربة ذلك بمساعدة الحقيقة".
خطاب مُتشدد واستعراضي كهذا يلقيه مُجرم الحرب الصهيوني، يؤشر إلى أن نتنياهو ماضٍ قُدماً في تنفيذ حرب الإبادة والتطهير العِرقي وخصوصاً التجويع والتعطيش، دون أن يتأثر بكل الثرثرة والدعوات الكلامية الفاقدة لأي أثر مادي أو حتى معنوي، على قادة الدولة العنصرية، الذين أدركوا مُسبقاً ومنذ تسعة عشر شهراً، أن الأقوال والتصريحات والبيانات التي تصدر من هذه العاصمة أو تلك، لا تعدو كونها ثرثرة عابرة ما دامت لا تترافق مع إجراءات ملموسة وميدانية، سياسية كانت أم دبلوماسية او اقتصادية (دع عنك العسكرية).
هنا أيضاً تبرز شخصية صهيونية مُتشددة أخرى لا تقلّ تطرفاً عن نتنياهو، ونقصد رون ديرمر/الوزير الأقرب إليه وكاتم أسراره، الذي بات يرأس طاقم المفاوضات بعدما استبعدَ نتنياهو رئيس جهاز الموساد/ ديفيد برنيّاع، ورئيس الشاباك/رونين بار، الذي أعلنَ أمس أنه سيترك منصبه في 15 حزيران القريب. إذ قال/ديرمر خلال مشاركته في مؤتمر "JNS": إن الحرب ستنتهي خلال اثني عشر شهراً بـ"انتصار إسرائيلي"، مُعرِباً عن "توقّعه بأن تُبرم إسرائيل اتفاقيات سلام جديدة مع دول أخرى". مُضيفاً: أن "المفتاح لكل ذلك هو الانتصار. هكذا تسير الأمور في الشرق الأوسط".
صحيح أن أقوال وزير الشؤون الاستراتيجية/ديرمر، حول موعد انتهاء حرب الإبادة الصهيوأميركية، جاءت رداً على سؤال: "ماذا سيحدث بعد عام"؟. إلا أنه من السذاجة المُفرطة تصديق تصريحات كهذه. في ظل عمليات الحشد العسكري المكثف التي يقوم بها الجيش النازي، تحضيراً لعملية واسعة النطاق على القطاع المنكوب، وما قد تترتب عليها من استحقاقات ميدانية، سياسية وخصوصاً ديموغرافية، على "ساحَتيّ" حرب الإبادة والتهجير ونقصد قطاع غزة والضف الغربية المحتلة.
[email protected]
