رأينا
يمثل الإرهاب تهديدا عالميا، لا تتمتع دولة أو مجتمع أوعرق أو دين أو حتى طائفة من حصانة تحميها من شرره المتطاير هنا وهناك. فطبيعته الفكرية الخطرة تسمح له أن يتطاير ويتأثر به إنسان توافرت له الظروف والبيئة المحيطة التي تجعله نهبا للتضليل ومن ثم التحول الفكري وأن يصير تابعا له.
في المؤتمر الدولي الذي عقد في سنغافورة بعنوان «مجتمعات متماسكة»، انصبت كلمة جلالة الملك عبدالله الثاني على هذه الطبيعة العالمية لفكر الإرهاب الذي يتشكل بأشكال عديدة على مر التاريخ وهي الآن في شكل الخوارج أو من «متطرفين يغذون الكراهية»، وهي هنا وصف عام لا ينحصر بفئة بعينها.
لذلك يدرك الأردن، بل هو متيقن، أن هذه الطبيعة أحالت الحرب مع الإرهاب إلى حرب أفكار، تستدعي العمل بنسق واحد وثابت على مستوى عالمي لمواجهته وبأدوات تتغلغل إلى جذوره الفكرية وتفكفك قواعده المجتمعية المغذية له من كره وإحباط وغضب يقود لنموه وتوالده فكريا ومجتمعيا.
قدم الملك هذه الرؤية في سنغافوره الدولة الإسلامية التي تحتضن مؤتمرات أخيراً بين دول، قاسم هذه المؤتمرات المشترك، إيجاد التوافق بين الدول، وضمان السلم العالمي. وأشر جلالته على أن هذا النسق الفكري سبق وأن ضمن في مبادرات أطلقها الأردن وهما «رسالة عمان» و«كلمة سواء»، اللتان صارتا عالميتين.
ولعل من أبرز محاور هذه الرؤية الملكية السباقة التركيز على القواسم المشتركة بين الأديان والمجتمعات المختلفة، منطلقا لتوحيد الأهداف في مواجهة الفكر المتطرف، وبدءا بالمعتقدات وما فيها من فكر «الرحمة» الذي تشترك فيه الإنسانية وتؤكد عليها جميع الأديان، فضلا عن التمسك ببوصلة الأهداف العالمية التي تعمل الأمم على تحقيقها من تنمية مستدامة وأمن عالمي يقود، كما وصف جلالته، إلى «تماسك اجتماعي عالمي».
فهذا التحديد، يساعد على تحقيق الطريقة التي تتبع في استهداف المجتمعات ومساعدتها على نبذ التطرف والأفكار الظلامية وما ينتج عنها من خطاب كراهية، شاع من خلال منصات عالمية تفاعل معها الأفراد وكانت وسيلة الإرهابيين في نشر أفكارهم الظلامية، لذلك كان المحور الثاني في الرؤية الهاشمية استخدام هذه الأدوات العالمية في نشر التسامح، وفضح الظلاميين.
من ضرورات النجاح هنا، حسب الرؤية الملكية، العمل وبأسلوب ممنهج على استهداف محفزات الإرهاب في المجتمعات والتي تولد الكره والإحباط، ولذلك لا بد من فكفكة الحواضن وفي مقدمتها الصراعات التي تولد هذا الكره وهذا الغضب.
في هذا السياق، يؤكد جلالته أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مثال حي يتغذى عليه المتطرفون ليس في عالمنا العربي فقط، بل والعالم، الذي تضرر من حالة الكره المتبادلة التي أنشأها هذا الصراع.
إن هذه الرؤية الواقعية، تؤكد أن الحسم في حرب الأفكار هذه مع الإرهاب، تستوجب التعامل بجهود عابرة للحدود، على مستوى القارات والدول والمجتمعات والأفراد حتى يكون الحسم عالميا.