د. هزاع عبد العزيز المجالي
العقوبة المقنعة بالقانون إحدى الوسائل التي يلجأ إليها صاحب القرار الإداري، لمعاقبة الموظفين لاعتبارات شخصية بعيداً عن العقوبات المنصوص عليها في نظام الخدمة المدنية، وتستخدم كوسيلة إنتقامية ضد الموظف، وتصنف أيضا بأنها من وسائل التعسف أو الشطط في استخدام السلطة، والتي يتم الطعن بها أمام المحكمة الإدارية.
بعيدا عن هذا النوع من السلوكيات التي تستخدم بها الصلاحيات القانونية للإنتقام ومعاقبة الموظف من قبل المسؤول، هناك ظاهرة قديمة جديدة ازدادت في الآونة الأخيرة، اسمها الخوف من إصدار القرار. وهذه الظاهرة تحدث عنها جلالة الملك كثيرا في لقاءاته السابقة، والتي سببها خوف المسؤول الدائم من المساءلة. لذا يتشدد في استخدام الصلاحيات القانونية (فوبيا اتخاذ القرار)، ويشدد على الموظفين أيضا، فيتخوف الموظف أيضا في اصدار القرار، ويتهرب بالتنسيب لمن هو أعلى منه، خوفا من أن يقوم المسؤول بمعاقبته بالعقوبة المقنعة التي تحدثنا عنه في البداية, وهكذا دواليك حتى تكثر التنسيبات لتصل إلى المسؤول الأول، الذي يقوم هو الآخر بالتشدد على الأغلب بأن يتخذ قرارا بحق صاحب القضية لتنتقل العقوبة المقنعة بالقانون من الموظف إلى المواطن الذي يتحمل أعباء مراجعة تلك الدائرة مرات ومرات عديدة، في انتظار الرد الذي ما زال على مكتب المسؤول. وفي بعض الأحيان قد يُطلب منه مراجعة دوائر أخرى وتقديم أوراق اخرى. وهكذا دواليك، والسبب في ذلك عدم الثقة والتخوف. في حين أننا نتساءل جميعاً عن أسباب الواسطة والمحسوبية.
لقد قال لي أحد الحاضرين في إحدى الندوات، التي تحدثت بها عن الفساد الإداري ((إنني على استعداد أن أتعامل مع مسؤول فاسد أفضل بكثير من أن اتعامل مع مسؤول صاحب قرار وجبان، لإنني عند الأول تسير معاملتي بسرعة وسهولة ويسر، في حين أن معاملتي عند الآخر تتعقد وقد لا يوافق عليها)).
إن الحديث عن الأسباب والحلول في هذا الموضوع كثيرة، ولا يتسع المقام للحديث عنها بالتفصيل، ولكنني أود التركيز على أمرين: أولهما يتعلق بالتعاميم التي تصدر من الجهات العليا التي يغلب عليها كلمات (لا يجوز لا يسمح، يلزم من)، والغريب أن كثيراً منها قد تخالف القانون، فتنال تلك التعاميم من جميع الأشخاص على حد سواء دون تمييز بين من هو صاحب حق ومن هو غير ذلك.
أما الحالة الثانية وهي تتعلق بتفويض الصلاحيات، ربما أن رئيس الوزراء بحكم سيرته الوظيفية السابقة شعر بحجم المسؤوليات المترتبة على عاتق المسؤول الاول، في الدوائر الحكومية، لذا قام مؤخراً بتفويض كثير من صلاحياته الإدارية إلى الوزراء في محاولة لتخفيف العبء والإسراع في إنجاز واتخاذ القرارات، ولكن المشكلة تكمن في أن من تم تفويض الصلاحية لهم، هل فهموا الرسالة، وهل يقومون بانجازها بالسرعة المطلوبة، فكما علم و دون تعميم، أن هناك الكثير منهم ما زالت الرسالة لم تصلهم، وأن الكثير من أصحاب القرار يخافون من اصدار القرارات، والأخطر من ذلك أن هناك منهم من يستخدم هذه الحالة كوسيلة للسلطة والشهرة وإن كان ذلك على حساب مصالح المواطنين.