د. صلاح جرّار
أصبح سلاح الصورة في حروب العصر الحديث سلاحاً إعلاميّاً قويّ التأثير، وهو أشدّ فتكاً من سلاح الكلمة المتمثل بالتصريحات والبيانات والتهديدات، وذلك لانّ الصورة تمثّل شاهداً ملموساً لا يستطيع المشاهد إنكاره أو التشكيك فيه ما لم يكن متخصّصاً بعلم الصورة والتقاطها أو تركيبها أو تزويرها أو التدخّل فيها. ولذلك نرى الأطراف المتحاربة تحرص على تكرار عرض الصور التي تضعف معنويات الطرف الآخر وتقنع المشاهد بأنها تملك اليد العليا على خصمها أو أنّها قادرة على إلحاق الأذى والهزيمة به.
ولا يستخدم سلاح الصورة في الحرب الساخنة فقط بل يستخدم كذلك وبصورة مؤثرة وفاعلة في الحرب الباردة، ونلاحظ ذلك جليّاً في الحملات الإعلامية التي تشنّها وسائل إعلام بعض الدول على دول أخرى، ونلاحظ ذلك أيضاً في المناكفات بين أنصار النظام ومعارضيه داخل الدول نفسها، فالكلّ منها يتسابق إلى عرض الصورة التي تسيء للآخر وتكشف فساده أو ضعفه أو خيانته وما إلى ذلك، ولهذا يكثر العبث بالصور التي تعرضها وسائل الإعلام زيادة أو اجتزاءً أو تركيباً، وربّما استعان المتخاصمون بصورٍ من مناسبات سابقة أو من بلدٍ آخر أو زمانٍ آخر لاستخدامها في تشويه صورة الخصم أو الطرف المُعادي.
وفي الحروب الساخنة بين الدول أو الجيوش تستطيع الصورة أن تفعل فعلها في إضعاف معنويات العدوّ أو التأثير في شقّ الصفّ الداخلي له، إلى درجة جعلت من امتلاك المتحاربين أو أحدهما للصورة التي يشهرها في وجه عدوّه ويكرّر عرضها على القنوات الفضائية وشبكات التواصل الاجتماعي هدفاً أساسيّاً لا يقلّ أهميّة عن تحقيق النصر على العدوّ. وقد لاحظنا في العدوان الصهيوني الأخير على غزّة كيف استمات طرفا المعركة في امتلاك صورةٍ يستخدمها كل منهما سلاحاً نفسيّاً وإعلاميّاً ضدّ الطرف الآخر، فمن الصور التي استخدمها الصهاينة صورة انهيار عمارتين متجاورتين في غزّة بصاروخ واحد، والدليل على الهدف الإعلامي من عرض هذه الصورة ما سبق تصويرها من انتظار وتوجيه دقيق لآلة التصوير صوب المبنيين قبل قصفهما وانهيارهما، وقد بثّ الصهاينة هذه الصورة على كلّ وسائل الإعلام لنشرها، ولهذا فإنّ القنوات الفضائية التي واصلت نشر هذه الصورة كانت تخدم من حيث تقصد أو لا تقصد الهدف الصهيوني. وفي مقابل ذلك حرصت المقاومة التي كانت تتصدّى للعدوان الصهيوني على غزّة أن تمتلك صورتها التي تواجه بها الصورة التي واصل العدوّ عرضها، ونجحت في تصوير استهداف آلية عسكرية للاحتلال وإصابتها إصابة دقيقة، وحملت هذه الصورة إلى جانب دقتها وإتقانها رسالة أخرى، وهي أنّ المقاومة لم تكن تستهدف إلاّ الأهداف العسكرية، إذ كان بالإمكان توجيه القذيفة نحو قطار ركاب صهيوني أو حافلة صهيونية كانا يمرّان في مرمى قذائف المقاومة في الوقت نفسه، وهي رسالة إنسانية تؤكد حقيقة إنسانية المقاومة مقابل إرهاب العدوّ الصهيوني ووحشيته.
لقد كانت حرب الصور في هذه الجولة لصالح المقاومة وهي تعكس قدرتها على الصمود ودحر العدوّ وتحقيق توازن الردع.
[email protected]