د. صلاح جرّار
بين السرعة والتسرّع خيطٌ رفيع، والخلط بينهما بعدم الانتباه إلى هذا الخيط غالباً ما يؤدي إلى نتائج غير محمودة، فالإسراع في أمرٍ عاجل يكون في أغلب الأحيان ضرورياً، وتأخيره أو التراخي عنه يؤدي في معظم الأحيان إلى تفاقم خطره وأضراره، فللسرعة مواضعها التي تحمد فيها بل تكون فيها ضرورية إلى أقصى حدّ، كالسرعة في نقل مريض أو مصاب بحادث سير إلى المستشفى، والسرعة في مواجهة خطر لا تحتمل مواجهته أيّ تأجيل، والسرعة في الاستفادة من فرصةٍ يمكن خسارتها في حال التردّد في اغتنامها وغير ذلك كثير ممّا أثبتت التجارب أنّ الإسراع أو السرعة تكون فيها كفيلة بمنع خطر كبير أو اكتساب فائدة عظيمة.
وليس أدلّ على ذلك ممّا تعاني منها أمّتنا من آثار الاحتلال الصهيوني للأراضي العربيّة في فلسطين وغيرها، فإنّ التأجيل المستمرّ والتراخي المتواصل في مواجهة هذا الاحتلال منذ بداياته الأولى، وتحت ذرائع مختلفة وواهية، هو الذي أدّى إلى تمادي هذا العدوان وصعوبة اقتلاعه وازدياد خطره بمرور الأيّام.
أمّا التسرّع فيتمثّل في اتخاذ قرارات غير مدروسة دراسة كافية، أو القيام بإجراءات دون النظر إلى أبعادها ونتائجها وتكاليفها، مع توافر الوقت الكافي للدراسة والتخطيط وإمعان النظر واستشارة أهل الرأي والاختصاص. وغالباً ما يكون التسرّع في اتخاذ القرارات أو القيام بإجراءات دون دراسة أو تريّث سبباً في خراب المؤسّسات والأعمال ومصالح الناس بل والدول أحياناً. والتسرّع هو في العادة دليلٌ على الجهل الإداري أو الفساد الإداري.
والسرعة تكون عادة في الحالات الطارئة العاجلة التي لا تحتمل التأجيل أو التأخير، وهي تحتاج إلى حضور البديهة وإلى الفطنة والنباهة والجرأة. أمّا التسرّع فيكون في الظروف التي لا تحتاج إلى السرعة، وعلى الشخص الذي يواجه موقفاً يحتاج إلى اتخاذ قرار أن يكون قادراً على التمييز بين ما يحتاج إلى السرعة وما يحتاج إلى التريّث.
إن التسرّع في الوقت الذي يمكن فيه التريّث ضارٌّ بصاحبه أو بمن تلحقه نتائج التسرّع، كما أن التريّث والتردّد في الوقت الذي يحتاج فيه المرء إلى السرعة مضرّ بصاحبه وبغيره إلى حدّ كبير.
[email protected]