بلال حسن التل
أكثر من مرة كتبنا داعين إلى ضرورة وضع استراتيجيات وخطط عمل عابرة للحكومات، غير خاضعة للأمزجة المتقلبة للأشخاص ولاجتهاداتهم المتضاربة والمتناقضة، لأن هذا هو طريقنا للتقدم في كل المجالات، وطريقنا للخروج من الدائرة المفرغة التي تضعنا بها شخصنة الأمور واختلاف الاجتهادات وتضارب المصالح، ورغم أن مضمون هذه الدعوة صار من المسلمات الوطنية التي يدعو إليها كل الأردنيين، من أعلى الهرم إلى قاعدته، غير أن الممارسات على أرض الواقع تصب كلها في خانة الشخصنة والاجتهادات الفردية، من هنا لم تكن غريبة الحقيقة المرة التي أشار إليها تقرير حالة البلاد، الصادر عن المجلس الاجتماعي والاقتصادي، والتي تقول أنه خلال أقل من عقدين أصدرت الوزارات الأردنية مائة وعشرين استراتيجية عمل، بالإضافة إلى ثماني استراتيجيات وطنية، غير أن واحدة من هذه الاستراتيجيات المائة والثماني والعشرون لم تطبق، لأسباب ذكرها التقرير منها عدم وضع خطط زمنية لهذه الاستراتيجيات، بالإضافة إلى عدم توفير مخصصات مالية، وعندي أيضاً أن من أسباب عدم تطبيق هذه الاستراتيجيات خضوعها لتقلب الأمزجة، وللشخصنة المسيطرة على الإدارة العامة في بلدنا ووزاراتها ومؤسساتها، وآخر مثال صارخ على هذه الشخصنة، هي قضية السنة التحضيرية لدارسة الطب في الجامعات الأردنية التي أقرها مجلس التعليم العالي قبل حوالي سنة ليعود الحديث مؤخراً عن إلغائها، لمتغير واحد هو تغيير وزير التعليم العالي، رغم أن إقرار هذه السنة التحضيرية جاء كإجراء من إجراءات تطبيق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية.
يحدث هذا في تطبيق الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، وهي المتابعة متابعة حثيثية من قبل جلالة الملك، مما يستدعي قرع ناقوس الخطر، خاصة وأن هناك تناقضات واضحة في تفسير مفردات ومكونات هذه الاستراتيجية، فقد سمعت من عدد من رؤساء الجامعات وأساتذتها أنهم استمعوا إلى تفسيرات متناقضة لمفردات هذه الاستراتيجية، خاصة بما يتعلق بالسنة التحضيرية في كليات الطب من قبل وزراء تعليم عالٍ، تولوا مسؤولية تنفيذ هذه الاستراتيجية في مجال التعليم العالي ليس من بينهم الدكتور عزمي محافظه، وهذا التناقض في التفسير يربك أداء الجامعات وسير عملها، كما حصل في موضوع السنة التحضيرية التي طبقت في كليتين من كليات الطب في الجامعات الأردنية، وهو التطبيق الذي جرى بأسلوبين مختلفين، مما يدل على غياب الرؤية الوطنية الكلية، التي تستوجب تطبيق مبدأ السنة التحضيرية على جميع كليات الطب، في كل الجامعات الأردنية الحكومية والخاصة في إطار منهاج واحد وامتحان واحد وهو مالم يتم.
إننا في الوقت الذي نؤمن به بحق الأردنيين في إبداء الرأي والاجتهاد، لكن هذا الحق يتلاشى عندما يتم اتخاذ القرار، حيث يصبح واجب الجميع الالتزام بحسن التنفيذ، وهو مالا يتم في الأردن وهنا يتضح قصور آخر يتمثل في غياب المتابعة والرقابة، خاصة من قبل مجلس الوزراء على مدى التزام الوزرات والمؤسسات بتطبيق الاستراتيجيات التي يتم إصدارها على المستوى الوطني، أو على مستوى القطاعات، وهو خلل لابد من معالجته إن أردنا أن نتقدم بوطننا وفق الرؤى الملكية لمستقبل هذا الوطن.
[email protected]