النائب د. فايز بصبوص
عندما ننظر الى تسارع الحركة اتجاه سوريا وخاصة من مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الاقتصادي والتجاري نتلمس دون ريب ان بصمات جلالة الملك قد انعكست بشكل مباشر على اجندة القطاع التجاري والاقتصادي والنقابات وتجلى ذلك في الزيارات البرلمانية المتبادلة بين البلدين الشقيقين فتسارع هذه الخطوات جاء بشكل مباشر بعد لقاء جلالة الملك ورئيس الحكومة مع النقابات المهنية عندما دعاها جلالته الى توسيع دائرة العلاقات مع الاشقاء السوريين رسميا وشعبيا وتجلى ذلك أيضا في رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي الأردني في العاصمة السورية دمشق اما على الصعيد البرلماني فقد دعا رئيس مجلس النواب الأردني البرلمان السوري لحضور اجتماع البرلمانيين العرب والذي سيعقد في عمان وهذا بدوره يؤشر ويدل على ان القرار باتجاه دمشق والتطبيع الشامل معها قد اضحى قرارا رسميا واخرج من الادراج الخلفية الى الأولويات المركزية في هذه المرحلة والاستراتيجية والمرهونة بتطور هذه العلاقات.
ان دعوة البرلمان السوري لحضور هذا الاجتماع المهم وفي ظل التحفظات التي تطرحها بعض القوى الإقليمية على أي تمثيل سوري يعني ان الأردن وخاصة في اطار ممثليه في مجلس الامة يعتبر البرلمان السوري هو جزء لا يتجزأ من البرلمانات العربية وان الأردن لا يمكن ان يرهن موقفه بالتجاذبات الإقليمية او الدولية لأن الأردن يرى بان اللحمة والتكامل العربي هو حجر الأساس في الرد على مشروع التقسيم والتفتيت والانعزالية والاصطفافات والتحالفات والمحاور انه قرار جريء بكل ما للكلمة من معنى وهو يعبر عن التوجهات الحقيقية للراي العام الأردني والذي يعتبر الشعب السوري جزءا لا يتجزأ من امته العربية ويعتبر سوريا المستقبل هي رافعة من روافع الصمود ضد مشروع صفقة القرن من هنا جاءت أهمية هذه الدعوى والتي ترافقت مع وفد من المحامين السوريين يزور الأردن ردا لزيارة وفد نقابة المحامين الأردنيين الى دمشق.
ان كثيرا من المراقبين يرى في قرار البرلمان الأردني قرارا متسرعا وغير محسوب العواقب ولذلك فان دعوة الطراونة كما يقرأ هؤلاء هي مغامرة تضع نجاح لقاء البرلمانيين العرب على المحك لكن ذلك التشخيص يحمل في طياته خطأ كبيرا لأن البرلمانات العربية هي معبرة عن توجهات الشعوب العربية والتي ترى في عودة سوريا الى الحاضنة العربية هو مؤشر يؤدي الى رأب الصدع في الجسم العربي الواحد هذا من جانب ومن جانب اخر فان الوسطية الأردنية والتوازن في السياسية الخارجية قد جعلت الأردن مركزا ومرجعية ومحورا للتلاقي العربي.
اما الأهم في كل ذلك ان هناك رسائل مبطنة يبعث بها النظام السياسي الأردني من جهة والمؤسسات المدنية والأهلية والنقابات من جهة أخرى ان استقلالية القرار الأردني لا تخضع لأي تسويات او توافقات سياسية او ابتزاز مالي او اقتصادي او سياسي وهذا أيضا يؤشر بكل وضح على ديناميكية الدبلوماسية الأردنية من جهة وعلى ثوابتها السياسية والقيمية من جهة أخرى اذن فالأردن قادر على إنجاح هذا اللقاء البرلماني بغض النظر عن قنبلة الطراونة وذلك لأن مجلس الامة على قناعة مطلقة بأن هناك ضرورة قصوى لأعاده اللحمة الى ممثلي الشعوب العربية كخطوة في الاتجاه الصحيح نحو احتواء وإعادة سوريا الى موقعها الطبيعي في جامعة الدول العربية وان التأخر والتلكؤ سيجعل سوريا تعمق من تحالفاتها الإقليمية على حساب عروبتها فالباب الموصد يجبر المرء على الذهاب من خلال الأبواب المفتوحة لذلك فكانت بوابة الطراونة مفتوحة مرحبة معبرة عن رؤية الشعب الأردني قيادة ومؤسسات مدنية واهلية بغض النظر عن النتائج التي سيحصدها الأردن على المدى القريب والبعيد من بوادر التطبيع الرسمي والاقتصادي والتجاري معترفا ان خطوته تأخرت ولكن جلالة الملك ومن خلال لقاءاته وخطاباته قال «ان المبادرة لتوسيع العلاقات الإقليمية بشقيها الرسمي والشعبي هو ضرورة قصوى» وادى ذلك الى هذا التسارع بعد الاتفاقات الاستراتيجية التي تم توقيعها مع الاشقاء في العراق وهذا بدوره سيجعل الأردن البوابة الرئيسية في عملية الاعمار في العراق وسوريا على حد سواء ويؤدي أيضا الى التسريع في توظيف فتح معبر نصيب وإعادة العلاقات التجارية والاقتصادية بيننا وبين الاشقاء السوريين على اعلى مستوى مما سينعكس إيجابا على الواقع الاقتصادي الأردني ويساهم في حل معضلة اللجوء السوري.