د. هزاع عبد العزيز المجالي
إن الصلاة عماد الدين، فمن أقامها أصاب جوهر الدين، ليس من باب التشبيه لا سمح الله،ولكن من باب الإستدلال لا أكثر. فالديمقراطية بكافة أشكالها لا تستقم ما لم ترتكز على صندوق الاقتراع، فجوهر الديمقراطية هو حكم الشعب والانتخاب هو الوسيلة التي من خلالها يختار الشعب نوابه عبر صناديق الاقتراع الذين ينوبون عنهم في إدارة شؤون الدولة.
يقال في علم الاقتصاد أنه إذا كانت المدخلات صحيحة فالمخرجات صحيحة، والعكس صحيح، وكذلك في الديمقراطية إذا كانت المدخلات غير صحيحة فالمخرجات غير صحيحة، وأقصد بذلك (قانون الانتخاب). فإذا كان قانون الإنتخاب الوسيلة التي يستخدمها الناس لا تعبر عن رغباتهم باختيار من يمثلهم، فإنه بالضرورة سوف يفرز مجلس نواب لا يعبر ايضاً عن رغبات الشعب.
هناك إجماع لدى كافة الأردنيين بكافة أطيافهم السياسية والإجتماعية بأن جميع قوانين الإنتخاب التي جاءت بعد قانون إنتخاب عام 1989م، فشلت في إنجاب مجلسٍ للنواب كما كان الحال عليه في مجلس 1989م، الذي ما زلنا نتغنى به لغاية الان. فيعد ذلك القانون القائم على القائمة النسبية القانون الإفضل على الإطلاق، رغم محاولات الحكومات المتعاقبة إنتاج قانون إنتخاب جديد، لكنها كما قلنا فشلت جميعها في إقرار قانون إنتخاب مقبول رغم الدعوات المستمرة من القوة الشعبية بضرورة العودة لذلك القانون.
لقد عملت في وزارة التنمية السياسية منذ نشأتها عام 2003 ولغاية 2009، والتي كانت قد أُنشئت برغبةٍ جادةٍ من قبل جلالة الملك حفظه الله لإحداث إصلاحات سياسية تُسهم في تفعيل دور كافة مؤسسات المجتمع المدني الحزبية وغيرها للمشاركة في صنع القرار، باعتباره التمثيل الصحيح للديمقراطية. ولقد استلهمت وزارة التنمية السياسية الرؤية الملكية وعملت على التشاور مع كافة القوى السياسية الحزبية والنقابية التي تمثل المجتمع المدني، و تم تعديل قانون الأحزاب السياسية وقانون الإجتماعات العامة وكافة القوانين الناظمة للحريات السياسية و إزالة كافة العوائق القانونية التي تحول دون إنشائها أو الإنتساب اليها، في مسعى لتوسيع قاعدة المشاركة الحزبية في التمثيل الشعبي في مجلس النواب، و في كافة مؤسسات الدولة تمهيداً لإقرار قانون إنتحاب عصري يتواءم و طبيعة الإصلاحات التي أُنجزت.
لقد فُهمت رغية جلالة الملك في إطلاق الحريات السياسية دون قيد أو شرط بالشكل الخاطئ، فأنشئت العديد من الأحزاب السياسية من قبل أصحاب رؤوس الأموال، أو من رجالات الدولة السابقين، معتقدين أنها وسيلة ودعوة للحصول على السلطة، فتعددت الأحزاب السياسية بشكل كبير حتى وصل عددها بالعشرات، ولكن ليس لها لون أو طعم أو رائحة.
لقد أردت من هذه الإطلالة القول أنه رغم أنتشار الأحزاب وإزالة كافة القيود التي تحول دون مشاركتها في الحياة الديمقراطية، لم تنجح بما في ذلك الأحزاب العقائدية في إثبات وجودها على الساحة السياسية. فقانون الأحزاب لم يكن هو السبب في ضعف المشاركة السياسية، وإنما كما يقال (الإزدحام يعيق الحركة)، وذلك ما عبرعنه جلالة الملك في أكثر من مناسبة، والتي دعا فيها إلى تقليص الأحزاب السياسية الى ثلاثة أحزاب أو تيارات حزبية رئيسة، حتى تتمكن من إستقطاب الناس اليها. لا بد لنا أن نعترف بأن هناك سخطاً شعبياً غير مسبوق على مجلس النواب، وأن هناك رغبة جامحة لدى كافة الناس في إحداث تغيير على آليات الأنتخاب، للوصول إلى تمثيل أفضل. وإننا إذا ما أردنا إصلاحاً سياسياً على غرار الإصلاح الاقتصادي، لا بد لنا من إعادة النظر في قانون الانتخاب بأسرع وقت. لذا فأنني أقترح على الحكومة الحالية التي عبر فيها رئيس الحكومة عن رغبته الجادة في إجراء إصلاحات سياسية، أن تدخل الحكومة في مشاورات مع كافة القوى الوطنية والشعبية للوصول إلى نتائج إما بالعودة لقانون الإنتخاب لعام 1989م، أو الوصول إلى صيغةٍ تضمن من خلالها مشاركةً واسعةً للأحزاب السياسية في الإنتخابات من خلال تشكيل كتل إنتخابية حزبية متجانسة، بالمشاركة مع المستقلين الذين لديهم نفس الإنتماءات الفكرية، بما في ذلك إحتساب (الكوته النسائية) ضمن تلك الكتل الانتخابية، وأعتقد أن المطلوب يحتاج إلى وقت وجهد، فلا بد أن نبادر باستغلال الوقت، فما تبقى من عمر المجلس قد لا يسعفنا إلى تحقيق النتائج المرجوة.