بلال حسن التل
لم يحظَ تقرير حالة البلاد الذي أصدره المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالاهتمام اللائق به، خاصة من قبل الحكومة ومؤسساتها، باعتبارها المستهدف الأول من التقرير الذي راجع أداءها مراجعة نقدية خرجت بنتيجة سلبية، يتحول معها التقرير إلى لائحة اتهام لابدَّ من الرد عليها، إذا كان المتهم يملك أدلة تبرئة من التهم الموجهة إليه، وهو مالم يحدث حتى الآن، باستثناء حالة واحدة هي حالة الهيئة المستقلة للانتخات، التي نشرت رداً صحفياً كان في بعض جوانبه مقنعاً، ولم يكن مقنعاً في جوانب أخرى،برد التهم أو الانتقادات التي وجهها تقرير حالة البلاد لأداء الهيئة.
يقودنا رد الهيئة المستقلة للانتخاب على ما ورد بشأنها في تقرير حالة البلاد، إلى التذكير بحقيقة أزلية خلاصتها: أن الاختلاف أمر بشري مثمر، إذا ظل في إطار الموضوعية والبحث عن الحقيقة، ولم يفسد للود قضية، وخير دليل على الدور المثمر للاختلاف البشري أنه هو الذي قاد إلى هذا الثراء الفقهي عند أمتنا،والذي نتج عن اختلاف الأئمة والفقهاء ومن ثم إعمالهم لعقولهم في النصوص ومحاكاتها مع الواقع من موقع نقدي باحث عن الأفضل، وهي حالة لها علاقة بالواقع الحضاري للأمة ومكانة العقل فيها، فكلما ارتقت المجتمعات تعاملت مع النقد بروح إيجابية تحول النقد إلى مدخل للإصلاح، ولعل هذا ما يفسر لنا ردة فعل المؤسسات الرسمية مع تقرير حالة البلاد، فجل هذه المؤسسات تعيش حالة من "التخلف" أوصلها إلى حالة الموات الذي يعجزها عن التعامل مع تقرير حالة البلاد،إما بالرد عليه أو بالاعتراف بما ورد فيه، وجعله مدخلا لإصلاح واقعها، من خلال إصلاح مواطن الخلل التي أشار إليها التقرير، الذي أظنه حالة حضارية يجب احتضانها والعمل على تجويدها للبناء عليها.
وعلى ذكر الحضارة والتحضر استوقفني نقد وجه إلى تقرير حالة البلاد، قال أصحابه إنه فكرة مقتبسة ومنقولة، وقد فات هؤلاء أن الاقتباس من الآخرين ونقل تجاربهم ليس فيه ما يعيب، فالحضارة البشرية والتقدم الإنساني هما نتاج التفاعل بين الحضارات، وتعلم الشعوب من بعضها، لذلك قيل " اطلب العلم ولو في الصين" وقيل أيضاً " الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها أخذها" لذلك لا يضير تقرير حالة البلاد أنه فكرة مقتبسة، خاصة إذا تعاملنا معه بمقاييس سليمة نابعة من واقعنا، وعلى أنه بداية يمكن التأسيس عليها، وتجويدها من خلال مناقشتها مناقشة علمية موضوعية، أخذين بعين الاعتبار أن القائمين على أمر التقرير تحلوا بدرجة عالية من الشجاعة الأدبية، عندما حولوا كل ما نشعر به كأردنيين ونتحدث حوله عن حالة بلادنا من مجرد حديث عابر في السهرات، إلى وثيقة مكتوبة تضع أمامنا صورة واضحة وشبه متكاملة لحالة البلاد،تصلح لكي تكون مدخلاً لحوار وطني لتحقيق الإصلاحات المنشودة في كل مجالات حياتنا، خاصة وأن التقرير قدم لنا جدولا منظما لأزماتنا السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، يُمكِّننا من ترتيب أولويات الإصلاح المنشود إن أخذناه على محمل الجد.
خلاصة الأمر في الحديث عن تقرير حالة البلاد: أنه بداية جادة لممارسة النقد الحضاري المؤدي إلى التقدم من خلال تشخيص العلل لمعالجتها، وهو أهم بكثير من تقرير ديوان المحاسبة مما يفرض على الحكومة أن تأخذه بجدية أكبر من الجدية التي تعاملت به مع تقرير ديوان المحاسبة، وقد صار على رئيس الوزراء عمر الرزاز أن يكلف كل جهة من الجهات الحكومية بالرد على ما ورد في "حالة البلاد" حول أدائها، فهذا هو المدخل الحقيقي للاستفادة من الجهود البحثية ومنها تقرير حالة البلاد.
[email protected]