د. زيد حمزة
حدثني قريب لي يعمل في اميركا ويقوم بزيارة قصيرة للوطن وهو بالمناسبة خبير في الطيران قال انه لاحظ تحركاً نشطاً للطائرات العمودية في سماء عمان وتبيّن له أنها واحدة فقط تُستخدم بشكل محدود في نقل الاشخاص للتغلب على مشكلة ازدحام شوارع عمان بالسيارات ! ولم يعرب محدثي عن دهشته فقد اعتاد مثل ذلك في بعض المدن الاميركية لكنه اعترض على الضجيج العالي الذي تصدره تلك الطائرات لأنها من أنواع قديمة ممنوعة هناك حسب قوانين البيئة ويُستعمل بدلا منها أنواعٌ كالتي لدى الامن العام في الاردن لمراقبة السير من الجو، فعلقّتُ بان قوانين البيئة عندنا لا تختلف كثيراً لكنها لا تُحترم في بعض المواقع على الارض فكيف نأمل ان تُحترم في الجو !
واضفت اننا اصلاً نعاني من مشكلة النقل العام التي تفاقمت بسبب فشلنا على مدى زمان طويل في إنشاء شبكة للسكك الحديدية لاستخدام القطارات سواءً منها السطحية أو بواسطة الانفاق، وبسبب فشلنا المشهور في مشروع الباص السريع، وكنا من قبل قد اطلقنا العنان لشركات الباصات التي تتسابق باسلوب فوضوي لالتقاط الركاب كيفما اتفق ولو بتعطيل السير وخرق انظمة المرور وتعريض المارّة للخطر بهدف تحقيق مزيد من الربح وهي تعمل وفق نظام ترخيص ذي تاريخٍ تعتوره الشكوك في كيفية توزيع الخطوط أو منح إمتياز استغلالها!.
وقلت: من حيث المبدأ لست ضد اي وسيلة يمكن ان تخفف من ازدحامٍ في شوارعنا يرهق اعصابنا ناهيك عن اضراره البيئية والصحية وعن الحوادث التي تقتل مواطنا كل بضع ساعات ! لكني أشك كثيراً في ان يكون استخدام الطائرات العمودية قد دُرس جيداً من حيث كفاءته وجدواه أو اخطاره الأمنية ، وأخشى كذلك أن يلهينا مرة اخرى عن النظر جدياً في الدراسات الرصينة الشاملة التي وضعها المختصون في الحكومات المتعاقبة عبر الاربعين عاماً الماضية لحل مشاكل السير وتوفير نقل عام جيد ومنظم وكان آخرها تلك التي كتبتُ عنها مستبشراً في العام الماضي بعد محاضرة وزير النقل المهندس جميل مجاهد في مؤسسة شومان وعرفتُ لاحقاً أنه كان قد أتم اعدادها مع فريق من المختصين المتطوعين الذين خبرهم من خلال مشاركتهم في هذا المضمار منذ كان ضابطًا في دائرة السير، وكما روى لي احدهم وهو صديق قديم أنها كانت دراسةً وافية قابلة للتطبيق بكلفة قليلة وبحلول آنية وطويلة الاجل لكن الوزير أحيل فجأة على التقاعد دون أن نعلم السبب ونامت الدراسة كسابقاتها في الادراج !
ثم اضفت: لقد كتبت مراراً ان هناك جهاتٍ محلية وازنة لها مصلحة في استمرار المشكلة كي تبيع سيارات اكثر سواءً كانت مستعملة تدمر البيئة او حديثة تستنزف الاقتصاد الوطني ، وان هذه المصلحة تتفق وتتوازى مع الترويج الواسع الذي تقوم به البنوك لتسهيل منح قروضها لشراء السيارات خصوصاً من قبل الاف الموظفين والحرفيين ذوي الرواتب والدخول المحدودة الذين لم يعودوا يستطيعون في غياب النقل العام الكفؤ الوصول لمكاتبهم أو قضاء اعمالهم، وتكون النتيجة هذه الحلقة المفرغة المفزعة التي تزيد المشكلة تعقيداً إذ تختنق شوارعنا في النهار والليل باكثر من مليون سيارة ، ولا احد بالطبع يريد لسمائنا ايضاً ان تختنق بدخان الطائرات العمودية ! وهنا قاطعني محدثي قائلا إن مستقبل النقل الجوي داخل المدن قد تطور كثيراً فهناك الآن مشروع كبير تستعد له الشركة العالمية المعروفة أوبر في انتاج وادارة شبكات تاكسي جوي قوامها طائرات صغيرة خفيفة تعمل بالكهرباء وتحمل عدداً قليلاً من الركاب (3) وتقلع عمودياً من منصات ارضية وتحط في اخرى حسب نظام مبرمج وباقل قدر من الضجيج وطبعاً دونما تلويثٍ للجو !
وبعد.. يبقى السؤال المعلق منذ عقود فوق رؤوس المسؤولين: هل هناك نية حقيقية في حل مشكلة النقل العام ؟!