د. هزاع عبد العزيز المجالي
في البداية قبل البدء في حديثنا عن إخواننا المسيحيين في الأردن، لا بد من القول أنني مؤمن إيماناً كاملاً بأن الدين لله والوطن للجميع، وكذلك مؤمن إيماناً كاملاً بمعيار (المواطنة) القائمة على المساواة بين الجميع، وأن القناعة الفكرية والروحية بالعقيدة الدينية قائمة على العلاقة بين الإنسان وخالقه، وأن رفضنا وقبولنا للآخر مظهر طبيعي من حياة الإنسان، لقوله سبحانه وتعالى: «ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً ولكن يُضل من يشاءُ ويهدي من يشاءُ ولتُسألن عما كُنتُم تعملُون» صدق الله العظيم. نخلص بأن الله هو وحده من يحاسب الناس.
لقد أردت من هذه المقدمة القول لكل من يستخدم الدين كوسيلة لبث العصبية الدينية والأحقاد والضغينة والفرقة بين الناس، أنت انسانٌ جاهل بدليل قول الله سبحانه وتعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم :» أدعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة».
إن دعوة سيدنا محمد وسيدنا عيسى عليهما السلام كانت قائمة على المحبة والتسامح والأخوة والعدالة، وأنها كانت منهجاً لكل معاني المحبة والأخوة والتسامح التي تجمع ولا تفرق بين الناس مهما كان عرقهم ودينهم.
لا يتسع المقام هنا للحديث عن إخواننا المسيحيين وعن تاريخهم الناصع، فهم جزء لا يتجزأ من مسيحيي بلاد الشام أهل الحضارة التي كانت معقلاً للأنبياء والديانات السماوية، وهم من وقفوا مع إخوانهم المسلمين ضد الحروب الصليبية على بلادنا لأنهم يؤمنون إيماناً كاملاً بقوميتهم العربية، رافضين تبرير الظلم حتى وإن كان بغطاء الدين.
ومسيحيو الأردن كانوا من الأوائل الذين تبنوا الفكر العربي القومي في مواجهة الإستعمار الغربي، ومنهم الكثير الذين قدموا أرواحهم دفاعاً عن عروبتهم وأنتمائهم ودفاعاً عن الأردن وفلسطين وأمتهم العربية، وهم الذين ساهموا وما زال حالهم حال كل الأردنيين في نهضة الدولة الأردنية، وأجمل ما سمعته في حياتي من المثقفين المسيحيين رداً على المشككين في انتمائهم لقوميتهم وثقافتهم العربية: « إننا عرب مسيحيو الديانة مسلمو الثقافة».
لقد تعلمت منذ نعومة أظافري معنى التعايش والأخوة بين المسلمين والمسيحيين، عندما كنت أذهب إلى مسقط رأسي (الكرك) التي أنحاز لها بالقول بأنها الحاضنة الأولى في العالم لمفهوم (التعايش الديني). فمنذ التاريخ القديم وإلى يومنا هذا إجتمع أهلها على محبة الكرك في كل شيء بالسراء والضراء، بالأفراح والأحزان، بالأرض والعِرض، بالمدينة والقرية. وضربوا أروع الأمثال على التآخي، فلكل عائلة مسلمة وعائلة مسيحية قرية يتقاسمون فيها كل شيء، تسمع من القصص عن محبتهم وتضحياتهم لبعض ما يجعلك تندهش وتقف إحتراماً وتقديراً. فإذا سألت هناك من هم أبناء عمومة (عشيرة المجالي) قالوا لك: عشيرة الزريقات والحجازين، وإذا سألت عن أبناء عمومة (عشيرة المعايطة) قالوا لك: عشيرة الهلسة، وهكذا الحال لدى كل عشائر الكرك في كل قرية ولواء.
وأنا أتحدث عن الكرك التي أعرفها، وأعلم أن هناك في محافظاتنا الحبيبة الأخرى الكثير مما قلته عن الكرك.
إن العلاقة بيننا كأردنيين مسلمين ومسيحيين أصحاب الدار لا تُبنى على المجاملات والخطابات الرنانة في الندوات واللقاءات التي يحضرها الشيوخ والرهبان للحديث عن التأخي بين المسلمين والمسيحيين، بل بالإيمان الحقيقي بحرية الأديان والإيمان بأنه: «تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الأخرين». إننا في الأردن، نعم نفتخر بأننا من المتقدمين على المستوى العالمي بالتآخي الديني، وبأن ما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، ولكننا يجب أن نقف بحزم ضد هذه الفئة الحاقدة التي تعيش على الهامش.
يقال أن (الشيطان يتدخل في التفاصيل)، والشيطان لا يرحم ولا يفرق حتى بين أصحاب الدين الواحد، والتاريخ يشهد على ذلك في أوروبا (الحروب الدينية) بين الطوائف والمذاهب المسيحية، والحروب الإسلامية بين المذاهب والطوائف الإسلامية. لذاك قال رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: «دعوها إنها منتنة»، وقال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق». وكذلك فعل من قبله سيدنا المسيح عليه السلام الذي دعا الناس إلى المحبة والوئام. فإذا أردنا بناء مسكن نحتاج إلى أشهر وإذا أردنا هدم منزل نحتاج إلى ساعات أو أيام قليلة.
وفي نهاية حديثي أود أن أوجه رسالةً إلى كل الجهلة والمتعصبين والكارهين والطحالب الذين تجدهم يبثون سمومهم وأحقادهم الدفينة عبر منصات التواصل الإجتماعي، سواء كُنتم من المسيحيين أو المسلمين الذين تدعون أنكم تشتركون معنا بالديانة، أنتم لكم دينكم ونحن لنا ديننا.