د. هزاع عبد العزيز المجالي
يُقال أن والدة الإسكندر المقدوني حين وضعت مولودها دعت له بقولها: « اللهم اجعله من أصحاب الحظوظ ليخدمه أصحاب العقول، ولا تجعله من أصحاب العقول لئلا يخدم أصحاب الحظوظ «. والمقصود هنا بأصحاب العقول هم الأشخاص الذين يمتلكون المعرفة والذكاء والفطنة، أما أصحاب الحظوظ فهم على الأغلب من الأشخاص الذين تخدمهم الظروف لتحقيق مبتغاهم دون أن يمتلكوا المعرفة الكافية ودون أن يبذلوا جهودا أو يستحقون ذلك. إن أكثر العلاقات الجدلية بين أصحاب العقول وأصحاب الحظوظ غالباً ما تكون بين البعض من أصحاب الحظوظ الذين يملكون السلطة وحق اتخاذ القرار، والذين يعملون تحت أمرتهم من أصحاب العقول، و حتى نكون أكثر إنصافاً فهذه ليست قاعدة عامة ولكنها موجودة ولها مسببات تختلف بأختلاف المكان والزمان. فحين تقرأ التاريخ القديم تجد أن أصحاب العقول كانوا من المفكرين والفلاسفة، الذين عملوا تحت إمرة السلاطين والملوك والأمراء، وكانوا يوظفون قدراتهم المعرفية في خدمة هؤلاء إما خيراً أو شراً حسب طبيعة من يخضعون لهم، فمنهم من ساهم فكره في نهضة بلدانهم العلمية والمعرفية كما فعل العلماء والمفكرون أثناء أزدهار الدولة الإسلامية وعلماء النهضة الفكرية في أوروبا، ومنهم من ساهم فكره في انتشار الحروب والقتل. لقد كان يطلق على هذه الفئة ألقاب عديدة منها الوزير أو الحاجب أو المستشار ويتم الإستعانة بهم من قبل الأمراء والملوك في صداعهم على الحكم أو للاستفادة منهم في توسيع وتمدد حكمهم. ومن أشهر هؤلاء في التاريخ العربي على سبيل المثال كان «يوسف بن حكم الثقفي» (الحجاج) الذي أسهم بشكل كبير في توسع الدولة الأموية، أما في التاريخ الأوروبي إبان عصر النهضة، فلقد كان المفكر والفيلسوف الإيطالي (ميكافلي)، هو أول من تحدث عن (فن الحكم) وصاحب نظرية (الغاية تبرر الوسيلة) التي ضمنها في كتابه (الأمير) الذي أهداه لأمير فلورنسا. إننا وعلى الرغم من التقدم الهائل في العلوم والمعارف المختلفة، فما زلنا إلى يومنا هذا نعيش في خضم هذه المعادلة المجحفة على كافة المستويات، سواءً في حياتنا الاجتماعية أو في حياتنا العملية، وهذه الظاهرة موجودةً في كثير من بلدان العالم، ولكنها تتفاوت في حدتها من دولة لأخرى. وهي تزداد أو تنقص وفقاً لطبيعة مجتمعاتها، ولمدى التزامها لمعايير العدالة والمساواة والإبداع والفكر. والحقيقة أن جدلية العلاقة ما بين أصحاب العقول وأصحاب الحظوظ تقودنا إلى مقارنات ومعايير وجدليات اجتماعية أخرى عديدة، كالفرق بين المثقف والمتعلم وبين المتعلم والجاهل وما بين الخبرة العملية والنظرية. إننا إذا أردنا الحديث عن هذه الظاهرة في حياتنا نجد أن أصحاب العقول نوعان: النوع الأول وهم الذي يسخرون علمهم ومعرفتهم لكي يخدموا أصحاب الحظوط لضمان بقائهم وللمحافظة على رزقهم طامعين وآملين في عطاياهم وهؤلاء في العادة رغم علمهم ومعرفتهم على الأغلب خانعين ليس لديهم طموح أو مبادئ أو عزة النفس، و في كثير من الأحيان ليس لديهم قيم أخلاقية رفيعة. أما الفئة الثانية من أصحاب العقول فهم الذين تجدهم أصحاب مبادئ وقيم وفي كثير من الأحيان يدفعون ثمناً باهظاً لذلك وقليلاً ما تجدهم في مواقع المسؤولية. أما أصحاب الحظوظ ومهما تنوعت أشكالهم وتفاوتت قدراتهم، تجمعهم قواسم مشتركة، فهم يمتلكون نفس الأسباب التي جعلتهم يتبوأون مناصبهم، مثل: الواسطة والمحسوبية والعلاقات والروابط العائلية والعرقية والجغرافية... الخ من الأسباب التي نعلمها جميعاً، وهم يسيرون أعمالهم بالإعتماد على من يعمل تحت إمرتهم من أصحاب العقول، ومن صفاتهم أيضاً أنهم نرجسيون يؤمنون بنظرية المؤامرة، يحبون الظهور الإعلامي ولكنهم لا يحبون الحديث العلني واذا تحدث أحدهم فإنه يتحدث بصوت عالٍ، يستخدمون أسلوب النقد والاعتراض غير المبرر أثناء النقاش دون أية حجج منطقية ليس من باب المعرفة بل لاثبات الوجود. وفي الختام أترك لكل من يقرأ هذا المقال في اطلاق مخيلته وتقييم نفسه، فهل هو من أصحاب العقول أم من أصحاب الحظوظ، وكذلك الذين يعرفهم من منهم من أصحاب العقول ومن منهم من أصحاب الحظوظ.