د. زيد حمزة
كأنّ في دواخلنا حنيناً باقياً لأماكن بعينها عرفناها وأصبح لنا فيها أصدقاء وذكريات، ومدينة ليدز في اواسط انجلترا من بين تلك الأماكن فقد قضيت فيها عام 1962 فترة قصيرة لكن عزيزة حين عملت في مستشفاها التعليمي الكبير وتدربت على أيدي أساتذة أُجلُّهم كما تعاونت مع زميلات وزملاء ألِفْتُ عشرتهم وسعدت بمحبتهم، وتجولت في شوارعها التي لا تشبه شوارع لندن وعرفت بعضا من أهلها المختلفين لكنةً محببةً في لغتهم العامية وبساطةً في التعامل الودود.
لقد خفق قلبي حين قرأت الشهر الماضي عنوان الخبر المثير والسارّ في آن معاً: ((أول جامعة في المملكة المتحدة تسحب استثماراتها من اسرائيل الابارتهايد هي ليدز)) ومضى الخبر في التفاصيل يقول إنها أول جامعة بريطانية تقاطع الشركات المتورطة في تجارة الأسلحة مع اسرائيل وتسحب استثماراتها منها تجاوباً مع الحملة التي تشنها حركة المقاطعة الفلسطينية الـ BDS فقد كشف الناطق باسم الجريدة الطلابية The Gryphan on Friday الشهر الماضي أن الجامعة سحبت أسهمها وسنداتها من شركات ثلاث هي irbus , United Technologies ،Keyence corporation لأنها تتعامل في صفقات تجارة الأسلحة مع اسرائيل، وهناك شركة رابعة هي بنك الـ HSBC الذي يستثمر مبلغ مليار دولار في شركات تزود اسرائيل بالأسلحة ما زالت الجامعة تستوضح عن مدى تورطه في تجارة الأسلحة مع اسرائيل لاتخاذ قرار السحب!
وقد رحبت ((مجموعة تضامن ليدز مع فلسطين)) بهذه الأنباء في بيان قالت فيه: إنه نجاح ذو وزن كبير ونأمل أن يكون مجرد البداية لموجة تغيير جديدة عبْر كل الجامعات في المملكة المتحدة.. ونحن من جانبنا إذ نشد على أيدي النشطاء الفلسطينيين وحلفائهم وداعميهم في حركة الـ BDS المناضلة في سبيل الحقوق الفلسطينية وتعرية جرائم اسرائيل ومراكمة الضغوط عليها لإنهاء سياساتها العنصرية (الابارتهايد) مهنئين بهذا النجاح الذي ندرك أبعاده كما ندرك أبعاد الانجازات العديدة الأخرى التي حققتها الحركة في المجالين الأكاديمي والعمالي وسواهما سواء في أميركا أو أوروبا ففي هذا العام 2018 على سبيل المثال لا الحصر تم توقّف الشركة العالمية Airbnb للتأجير عن تعاملها مع المستوطنات الاسرائيلية غير الشرعية، والغاء اللاعب الارجنتيني العالمي ليونيل ميسي مباراة فريقه الوطني مع اسرائيل، وانسحاب المغنية المعروفة لانا ديل ري مع 19 فناناً آخر من مهرجان فني كبير أقيم في اسرائيل وكانت المطربة الكولومبية شاكيرا قد ألغت من قبل حفلاتها هناك، ومن ناحية أخرى كانت منظمات رئيسية في الحركة النسائية الهندية تمثل أكثر من عشرة ملايين إمرأة قد تضامنت مع الـ BDS وطالبت اسرائيل بإطلاق سراح المسجونين من الأطفال الفلسطينيين. ودعت منظمة أمنستي انترناشونال الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لفرض حظر على توريد الأسلحة لإسرائيل، وفي بريطانيا صوّت حزب العمال مؤخراً على قرار مماثل، وفي ايرلندا تقدم وزير في الحكومة مع خمسين من المشرّعين بنفس المطلب، وقبل ذلك كانت العاصمة دبلن أول عاصمة أوروبية تعلن تأييدها لحركة الـ BDS كما استنكر برلمانيون اسبان وبرتغاليون الجرائم الاسرائيلية وقانونها العنصري ((الدولة اليهودية))، وتوقفت شركة Adidas عن رعاية اتحاد الكرة الإسرائيلي ودعمه، وقبل قليل أعلن اتحاد الطلاب الكنديين (500000 طالب) دعمه للـ BDS، وما ذلك إلا مجرد غيض من فيض لا عجب معه أن اسرائيل تدير الآن جهازاً حكومياً يوازي في أهميته احدى الوزارات الكبيرة وظيفته وضع وتنفيذ الخطط القانونية والاعلامية بل حتى غير الأخلاقية لمحاربة أي نشاط للـ BDS فمثل هذه الانتصارات الصغيرة المتفرقة تقض مضجعها.
وبعد.. هل تذكرون أن 29 تشرين الثاني الذي صادف الخميس الماضي كان اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني كما قررته منظمة الأمم المتحدة وتحتفل به سنوياً منذ 2006؟!