د. أحمد يعقوب المجدوبة
في الماضي البعيد والقريب كانت السياسة هي المحرّك الأول في العلاقات العربية العربية. ونجم عن ذلك العديد من الأحلاف أوالتحالفات العربية التي تنافست أو اصطدمت مع أحلاف أو تحالفات عربية أخرى، مما جعل تأثيرها على العالم العربي سلبياً بدلاً من أن يكون إيجابياً.
وفي أحيان كثيرة وجد المنخرطون في الحلف الواحد أنفسهم في صراع مع أعضاء الحلف نفسه، بسبب خلافات في الرؤى والأولويات، فانقلب أعضاء الحلف على أنفسهم فأصبح التحالف عبئاً على الدول المنخرطة فيه، وأحياناً نقمة، بدلاً من أن يكون نعمة.
يبدو أن السياسة في العالم العربي تُفرّق ولا تجمع.
فكل الكلام حول الوحدة العربية، أو التنسيق، أو التعاون المبني على السياسة، وكل الأفعال والمحاولات التي نجمت عنه، كان مصيرها الفشل، فذهبت كل الجهود أدراج الرياح ووجد العالم العربي نفسه يضعف ويتمزّق سنة عن سنة، بدلاً من أن يقوى ويتّحد، إلى أن وصل إلى ما وصل إليه الآن.
المطلوب الآن، في ظل الظروف الدولية المؤثرة تأثيراً مباشراً على العالم العربي، وفي ظل التحديات التي تواجهها الدول العربية، داخلياً وبينياً، البحث عن محرّك آخر للعلاقات العربية العربية، يأتي بما تشتهي الدول والشعوب، فيجمع ولا يفرق، ويُقوّي ولا يُضعِف، ويأتي بالحلول للمشاكل المتعاظمة.
ولعلّ هذا المحرك يكون في التعاون المُجرّد من السياسة.
هنالك مصالح عربية مشتركة كثيرة يخدمها التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والتقنية، وفي مجالات الطاقة والنقل والخدمات، بعيداً عن السياسة والأيديولجيا والمواقف العقائدية.
الدول العربية تُشكل وحدة جغرافية واحدة، وهنالك تحديات مشتركة تواجهها، بدءاً من البيئة والمناخ، وانتهاءً بالتكنولوجيا والتنمية، ولا بد لها من التعاون الجاد والصادق من أجل التغلب على تلك التحديات وتحويل العقبات والمهددات إلى فرص يعود مردود التعامل معها على المستوى الجمعي بالخير على الجميع.
تخيلوا لو أن أموال العالم العربي، وموارده الطبيعية، وقواه البشرية تُدمج في بوتقة تعاون مدروس ومنظم يُوظَّف لخدمة العديد من المشاريع البينية، كالصناعات المشتركة، ومشاريع الطاقة، والنقل. تخيلوا وجود قطارات سريعة بين الدول العربية، واتفاقيات مفعلة في مجاليّ التعليم والبحث العلمي بين الجامعات، والعديد من المشاريع الخدمية والسياحية التي توظف الآلاف من العاطين عن العمل، والأفكار الريادية والخلاقة التي تستثمر طاقات الشباب ومهاراتهم.
كيف سيكون وضع العالم العربي في ظل مُحرّك التعاون المجرّد من عُقد السياسة ودهاليزها المدمرة؟
سيكون أقرب ما يكون إلى الاتحاد الأوروبي، الذي حيّد السياسة واستثمر في جهود دوله وطاقاتها، الطبيعية والمالية واليدوية والعقلية.
بعكس ما قد يظن البعض، لا يوجد ما يمنع من أن يحدث شيء مماثل في العالم العربي، فالعوامل التي تصب في فرص نجاحه أكثر بكثير من تلك المعاكسة لذلك، لو حيّد العالم العربي السياسة – السياسة بمعانيها وأبعادها السلبية.
لعلنا نرى في القريب العاجل مبادرة أو أكثر تصبّ في هذا الاتجاه، والتي هي في صالح الجميع بلا استثناء.