أ.د. محمد الرصاعي
في الوقت الذي يُستنزف فيه الاقتصاد الإيراني بفعل التدخلات التي يطول أمدها في مناطق عديدة للصراع بهدف توطيد أيديولوجيا عقائدية تؤمن بها إيران، أقرَّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب حُزمة جديدة من العقوبات من المؤكد أنها سَتُضاعف التراجع في قوة إيران الاقتصادية، وبالتالي التسبب بمزيد من تأجيج الشارع الإيراني الذي يعاني ظروفاً اقتصادية صعبة، فقد تراجعت العُملة الإيرانية إلى ما يقارب النصف في الأشهر الأخيرة الماضية.
تشمل حُزمة العقوبات الشركات التي تدير الموانئ الإيرانية وشحن البضائع وصناعة السُفن، إضافة إلى قطاع الطاقة والنفط والذي سيكون الأكثر تأثراً بهذه العقوبات، كما تهدف العقوبات إلى التضييق على البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية، ويؤكد الخبراء الاقتصاديون أنَّ هذه الحُزمة من العقوبات ستؤثر سلباً على حجم الاحتياطات الإيرانية من العُملة الصعبة، كما ستنأ برؤوس الأموال إلى مغادرة طهران، عدا عن ارتفاع الأسعار وازدياد حجم التضخم.
وقد أعلنت الولايات المتحدة على لسان وزير خارجيتها في وقت سابق أن الهدف من العقوبات المفروضة على إيران هو إجبارها على التوقف عن سلوكها المهدد لجيرانها، والحد من دورها في استمرار عدم الاستقرار في كثير من دول الإقليم كسوريا واليمن والعراق، إضافة إلى منعها من مواصلة تجاربها النووية.
النظام الحاكم في إيران الموجه بأيديولوجيا امتداد النفوذ والتوسع لن يتخلى عن خططه لوضع موطئ قدم له في أية بقعة يمكن أنَّ يصل إليها، أو تتاح له الفرص للولوج إليها لبسط نفوذه وهيمنته، وسيحاول استغلال العقوبات للظهور بدور المُستهدف من الولايات المتحدة ليستجلب دعما شعبيا من الشارع الإيراني، فقد وجه الرئيس روحاني دعوة للشعب الإيراني للتوحد أمام العقوبات الأميركية، وسيحاول النظام الإيراني اللعب على تناقضات المصالح العالمية وتضاربها وخاصة علاقته بروسيا والصين وبعض الأطراف الدولية التي قد تستفيد من التجارة مع الأسواق الإيرانية وخاصة سوق الطاقة.
قوى المعارضة في إيران وما يسمى الإصلاحيون سيجدون فرصة مواتية للإشارة إلى المصير الكارثي الذي تدفع سياسة النظام الحاكم في طهران إلى الوصول إليه، ومن المؤكد ستلجأ هذه القوى إلى مطالبة الشعب الإيراني إلى وقف السياسة التي يتبعها النظام والخروج من جديد إلى التظاهر والتعبير عن رفضهم ممارسات وسياسات تسببت بظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
الإدارة الأميركية تراهن هذه المرة على قدرة الحزمة الجديدة من العقوبات على تغيير سلوك إيران وإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، في المقابل أعلنت إيران على لسان وزير خارجيتها محمد جواد ظريف أنَّ العقوبات الأمريكية لن تدفع إيران إلى تغيير سياستها وأنها تمتلك ما يمكنها من مواجهة العقوبات الأمريكية.
في المحصلة العقوبات الأمريكية هي اختبار لقدرة الإدارة الأمريكية على فرض هيمنتها على دولة اعتادت التمرد على القوانين الدولية، في الوقت ذاته ستختبر العقوبات النظام الإيراني ومدى إمكانية صموده، وفي سياق آخر من المؤكد امتداد أثر العقوبات على الصراع الدائر في المناطق التي تتواجد فيها إيران، وتعزيز فرص التهدئة وإيجاد الحلول السلمية.
[email protected]