أ.د. محمد الرصاعي
تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وما تتيحه من أدوات متعددة ومتنوعة باتت اليوم الأكثر حضوراً وتأثيراً في معظم تفاصيل حياتنا اليومية، وينظر الكثيرون إلى أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عبارة عن أدوات للتواصل والتفاعل مع العالم ومع بعضنا البعض، ولكن الواقع أن هذه التكنولوجيا صارت قوى بيئية وإنثروبولوجية واجتماعية وتفسيرية تخلق وتشكل واقعنا الفكري والمادي وتغير فهمنا لذواتنا وتحور الكيفية التي تربطنا بعضنا ببعض، كما تربطنا بذواتنا، وتؤثر بشكل واضح على كيفية تفسيرنا للعالم من حولنا، وكل هذا يجري بصورة واسعة الانتشار وبعمق، وبلا هوادة.
إن سرعة تدفق الأخبار والمعلومات عبر أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتنوع طرق عرضها باتت تسلبنا القدرة على التفكير المستند للمنطق، وتحد من ممارستنا للتقييم النقدي لما يتم تداوله عبر هذه الأدوات وخاصة أدوات ومنصات التواصل الاجتماعي، والواضح أنَّ حجم الأثر الكبير قد أمتد بشكل واسع عدا عن التأثير على قدراتنا التأملية إلى تشويه منظومتنا القيمية في المجتمع الأردني، وتأجيج الكراهية والتباغض أو كما وصفه جلالة الملك عبدالله بالتناحر الاجتماعي.
إن الاختلال الذي تحدثه أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سمات التفكير لدينا من جهة وفي قيمنا الإنسانية ومحركات انفعالاتنا ومشاعرنا من جهة أخرىيتسبب بتحولات كبيرة في كيفية تفسيرنا للعالم من حولنا، الشيء الذي يحدد نمط وطبيعة قراراتنا التي نتخذها حيال التعامل مع العديد من المواقف والقضايا في حياتنا.
وفي الوقت الذي تفكر فيه الكثير من دول وشعوب العالم في الكيفية التي يوظفون من خلالها هذه الأدوات لمنفعتهم، واستثمار إيجابياتها، نقع نحن تحت وطأة المخاطر الناجمة عن الانتشار الواسع لهذه الأدوات، وفي هذا السياق تتجدد الدعوة لنظامنا التعليمي وموجهات الوعي في المجتمع للعمل وبأدوات فاعلة في مقدمتها مناهج التعليم وأنشطة التعلم لتحديد وتنسيق وتشجيع ورعاية التحولات التكنولوجية، وفي الوقت نفسه اقتراح خطط تحقق كيفية تمكيننا وزيادة قدراتنا من خلال هذه الأدوات التكنولوجية .
إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقدم فرص عظيمة ولكنها متلازمة مع مسؤولية فكرية ضخمة من أجل فهمها والاستفادة منها بالطريقة الملائمة، وتتطلب كما أشار جلالة الملك إلى مسؤولية اجتماعية لكي لا يتم تضليل المواطنين والتلاعب بعواطفهم ومشاعرهم، وعليه نحن اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في مفرداتنا المفاهيمية وإعادة تصميمها، كما أننا ربما نحتاج إلى إعادة النظر في أساليبنا المتبعة لإعطاء معنى وإيجاد منطق لتفاعلاتنا عبر هذه الأدوات .
[email protected]