رأينا
ما تزال الأصداء الإيجابية والترحيب الشعبي والحزبي ومنظمات المجتمع المدني لمقال جلالة الملك عبدالله الثاني الذي كان عنوانه لافتاً في الشكل والمضمون والمعالجة العميقة والقراءة الدقيقة لما باتت عليه وسائل التواصل الاجتماعي ودورها في المجتمعات، تتردّد في الفضاء الوطني الأردني وموضع اهتمام ومتابعة من قبل غالبية الأردنيين الذين وجدوا في مقال جلالته فرصة ثمينة لوضع حد لحالة الفوضى التي يخلقها هذا الكم الهائل من الإشاعات والأخبار المُلفقة والممتلئة بفيض من العدوانية والكراهية والتجريح حتى تكاد تصبح من خلال هذه المنصّات مكاناً للذم والقدح، فضلاً عمّا تشكّله من وقود يغذي أصحاب الأجندات لاستقطاب الرأي العام وتصفية الحسابات.
ولئن حرص جلالة الملك على المشهدين بالضرورة التفريق بين آراء انتقدت الأداء في حادثة البحر الميت وطالبت بتحديد المسؤوليات رأى فيها جلالته حرصاً مطلوباً، وبين قلة أساءوا بالشماتة والسخرية بحق من فقدناهم، فإن جلالته حسم المسألة يوم أول من أمس عندما وجه جلالته الحكومة إلى تشكيل لجنة محايدة للوقوف على حادثة البحر الميت.
وتكون مهمات اللجنة الوقوف على الحقيقة بكل موضوعية وحياد وتحديد جوانب القصور والجهات المسؤولة بكل دقة واستخلاص الدروس والعِبر المستفادة منها مستقبلاً، وذلك بالتنسيق مع اللجان التي تشكلت بهذا الخصوص من أجل الوصول إلى توصيات مُوحّدة.
هنا يضع جلالته وكما ورد في مقاله عميق الرؤية ودقيق التشخيص الأمور في نصابها القانوني والمُؤسّسي والوطني والأخلاقي، بعيداً عمّا يسعى إليه اولئك الذين وجدوا في تلك المنصات التي لم توجدتها الثورة الرقمية لتكون وسيلة ترابط وحوار وثراء اجتماعي، فرصة للاختباء وراء شاشاتهم وأكاذيبهم والذي بات ضرورة وطنية مُلحّة وعاجلة ان تتم مواجهتهم بالحقيقة وعلى من يتعرض للإساءة اللجوء إلى القضاء.
ولأنّ جلالته ومنذ اليوم الأول لتوليه مسؤوليته وضع على رأس أولوياته ضمان حرية التعبير وحق الأردنيين في التعبير عن آرائهم وعدم السماح بالحجر على أي رأي ما دام يتم ذلك في اطار الدستور واحترام القانون فإنه دعا في مقالته إلى ضرورة مراعاة التوازن بين صيانة حرية التعبير وهو ما أكد حرص جلالته عليه دائماً وبين حقوقٍ وأولوياتٍ في غاية الأهمية لاستقرار مجتمعنا وعافيته في الوقت نفسه الذي أشار فيه إلى ان عصر الانفتاح الذي نعيشه والعالم أجمع، يُحتم على الحكومات العمل بشفافية وتوفير معلومات دقيقة للمواطن دون تباطؤ.
ثقة جلالته غير المحدودة والمطلقة بالاردنيين كانت جزءاً رئيساً في مقالته وفي رهانه على ابناء شعبه وتأكيده على ان ما من قوة او فتنة او أجندة قادرة ان تثني الاردنيين عن الالتفاف حول الوطن فضلاً عن لفت جلالته الى مسألة مهمة يجب ان تحتل اولوية على عمل الحكومة في القريب العاجل وهي الحاجة الملّحة لتطوير تشريعاتنا الوطنية بما يؤكد على صون حرية التعبير وحمايتها وبما يحفظ حق المواطنين في الخصوصية.
مقال جلالته فتح عيون الاردنيين على حقيقة ما يجري ويدور على منصات التواصل الاجتماعي وكان العنوان معبراً بدقة عن الهبوط والتدني الاخلاقي لدى اصحاب الاجندات المشبوهة الذين حولوها عن دورها وارادوا لها ان تكون منصات تناحر وليست منصات تواصل، فأعاد جلالته في اضاءاته وتساؤلاته التي اجاب عليها بمنتهى الوضوح والشفافية الى الاذهان ضرورة ان نكون مسؤولين وحذرين في تفاعلنا على المنصات الالكترونية وان ننتبه الى ما سيؤول اليه حالنا إن لم نكن على تلك الدرجة من اليقظة والمسؤولية والحذر، لافتاً في شكل حاسم غير قابل للتأويل وفي ذلك رسالة لمن يعتبِر، بأن من يُسيء الى اردني سواء من عائلة جلالته الاردنية او الصغيرة، فإنما يسيء الى جلالته شخصياً.