د. هزاع عبد العزيز المجالي
إن إنشاء وزارة التنمية السياسية عام 2003 م، جاء برغبةُ ورؤية ملكية مستقبلية لإصلاح سياسي بالتوازي مع الإصلاح الإقتصادي. وقد كنت ممن تشرف بالعمل في تلك الوزارة لسنوات طويلة، وقد عملنا في تلك المرحلة بجهد كبير و بتشاركية مع مؤسسات المجتمع المدني بكافة أطيافها المختلفة لإنجاز البرامج والخطط التي أعددناها للوصول إلى الغايات والأهداف، سواء كان ذلك بمنظومة القوانين الناظمة للعمل السياسي و كذلك على نشر الوعي السياسي و تغيير النظرة النمطية السلبية لدى المواطن الأردني من المشاركة الفعلية بالعمل السياسي.
كانت الرغبة الملكية تهدف للوصول إلى (حكومات برلمانية)، وحث الأحزاب السياسية العاملة على الساحة إلى التوحد في ثلاثة أحزاب موحدة وفقاً لانتماءاتها الايديولوجية (يسار ،وسط، يمين)، في ظل تزاحم عدد كبير من الأحزاب التي ما هي إلا إستنساخ لبعضها البعض. وللتأكيد على ذلك فقد شاركت في إعداد دراسة عام (2005) أثناء عملي في وزارة التنمية السياسية عن أوجه التشابه والإختلاف بين الأحزاب السياسية سواءً من حيث المبادئ أو البرامج فكانت النتائج غريبة وغير متوقغة، فوجدنا أن جميع الأحزاب تتشابه في برامجها ومبادئها بنسبة تزيد عن 95(%) أما الخمسة بالمئة المتبقية فهي موجودة في (ديباجة المقدمة) و تتعلق بالمبادئ العامة والفكر الايديولوجي للحزب (قومي/ يساري/ليبرالي).
إن عدم القناعة أو الرغبة لدى أغلب شرائح المجتمع الأردني بالمشاركة الحزبية تعود لأسباب كثيرةٍ من أهمها الموروث التاريخي والتزاحم غير المجدي والتراجع الأطر القانونية الناظمة للعمل السياسي، والحديث يطول في هذا المضمار، إذا ما أضفنا الى ذلك المقارنة المستمرة بين الشخصيات الحزبية و الوطنية المؤثرة فكرياً سابقاً مثل :هزاع و وصفي وحابس ومنيف وغيرهم الكثير و القيادات السياسية الحالية.
افرزت تلك الحالة بلا شك نمطاً جديداً في الحياة السياسية، يمكن لنا أن نُطلق عليه نمط (الحراك الشعبي الموحد)، الذي أعلن عن نفسه وقرر أن يأخذ زمام الأمور بنفسه دون حاجة إلى أحزاب أو نواب للحديث باسمه.
كان جلالة الملك من أشد المعجبين والمتفاعلين مع الحراك، فلم يقم بتغيير مباشر للحكومة، ولكنه ترك الأمر لأيام لإرسال رسائل عدة لمن يهمه الأمر. الرسالة الأولى إلى العالم الخارجي إكتسب بها الشعب الأردني إحترام العالم بتحضرهم وعقلانيتهم وسلميتهم وحرصهم على مقدرات دولتهم، و ايضاً مدى الترابط بين الشعب والملك. و قد رأينا كيف أن ولي العهد الأمير الحسين حفظه الله مارس مواطنته بتواجده مع المشاركين في الاحتجاجات السلمية. أما الرسالة الثانية فهي للبيت الداخلي، لا سيما الأحزاب و القوى السياسية، ليقول لهم إن تشرذمكم وعدم إتفاقكم دفع الناس إلى أخذ المبادرة والتعبير عن مواقفهم والمشاركة في إتخاذ القرار و انه يقبل بكل إعتزاز و حب مطالبهم بإقالة الحكومة بحكومة إصلاح جديدة تلبي مطالب الشعب».
لقد اخفقت الحكومات السابقة في تفعيل دور وزارة التنمية السياسية التي من المفروض أنها المسؤولة عن (مشروع الإصلاح السياسي)، فكان وجودها في بعض المراحل وجوداً شكلياً و قليلاً ما أستطاعت أن تلعب دوراً محدوداً على الساحة السياسية، و اعتقد أن هناك رغبةً ورؤية صادقة لدى الحكومة الحالية بتفعيل العمل السياسي بالتوازي مع الإصلاح الإقتصادي و في معالجة المعوقات و تفعيل دور الوزارة في هذا المضمار، فجميع المقومات التي تحتاجها الوزارة متوفرة الان فعلى المستوى القيادي فإن الوزير الحالي ( موسى المعايطة) رجل حزبي قديم مخضرم وله باعً طويل من العمل السياسي، فالمطلوب هو تحريك الرمال الساكنة ومعالجة المعوقات و الاهداف التي تمكن الوزارة من الانطلاق من جديد.