النائب د. فايز بصبوص
ليس غريباً على جلالة الملك أن يتخذ قرارات بأبعاد مصيرية وذات دلالات أوضح بكثير من ظواهرها وهذا الوضوح يتطلب تمحيصاً حقيقياً في تبعات وآثار أي قرار ونتائجه على الأردن وعلى مصلحة الشعب الأردني أولاً ولذلك فإن القرارات ذات الأبعاد الاستراتيجية من النظام السياسي الأردني كانت تنعكس انعكاساً إيجابياً على مصلحة الوطن والمواطن فقرار بحجم عدم التمديد لملاحق اتفاقية وادي عربة والخاص بمنطقة الباقورة والغمر قرارٌ عظيم يمهد لعرس أردني حقيقي توازى مع نصر حقيقي آخر مع عرس فلسطيني آخر برضوخ الاحتلال الصهيوني بعدم اقتحام قرية الخان الأحمر نتيجة لصلابة الشعب الفلسطيني والتضامن الدولي غير المسبوق والذي شكل ضغطاً آخر على الكيان الصهيوني
وهذه الأعراس ستستكمل في فرحة نهائية عندما تقفل سفارة الكيان في عمان، فردة الفعل الصهيونية انطلقت وكالعادة من منظور الفوقية والشكلية وعدم فهم حقيقي للمقاصد التي أرادها جلالة الملك في أبعادها الاستراتيجية والسياسية فبعد قرار الباقورة ليس كما قبلها في الاطار القانوني فإن الجانب الأردني لم يتجاوز مضامين الاتفاقية ولكن الصهاينة كانوا يعتقدون أن الأردن ومن خلال علاقاته الدبلوماسية الخارجية القائمة على السلوك الدبلوماسي الأخلاقي فقد كان الصهاينة يتوقعون التمديد وعدم إثارة جلبة حول هذا الموضوع ولكن جلالة الملك أوضح وضوحاً لا لبس فيه بأن مصلحة الوطن ومصلحة الأردنيين فوق كل المصالح وفوق السلوكيات البروتوكولية والدبلوماسية فهذا يعني أن السلوك الدبلوماسي الأردني قائم على مبدأ التعامل بالمثل هذا فيما يخص الجانب الذي أوضحه جلالة الملك والذي أراده من خلال تضمين قراره مصطلح الدبلوماسية.
أما الجانب الأكثر عمقاً والذي أشعل عرساً وطنياً عارماً يقدم نموذجاً حقيقياً لاستفتاء وطني شامل وعام غير ممنهج أو منظم حول العلاقة مع هذا الكيان الغاصب.
من هنا نقول أن ما أنعكس في خطاب جلالة الملك هو ترجمة حقيقية لتطلعات وآمال الشعب الأردني وهو المعيار الحقيقي أيضاً الذي يعتمده جلالة الملك في قراراته ذات الأبعاد الاستراتيجية.
إن وقع المفاجأة على هذا القرار محلياً وإقليمياً ودولياً كان بمثابة رسالة واضحة المعالم أننا لن نقبل أن يبقى الأردن تحت نار الضغوط بكل أشكالها وأننا نملك من الأوراق ما يستطيع أن يقلب كل المعادلات والمخططات والمؤامرات للنيل من موقفنا السياسي والعروبي والإسلامي من القضية الفلسطينية ومدينة القدس اذن بداية الغيث قطرة رغم ما ينظر له البعض من عدم أهمية أو أهمية هذا القرار فإن التدقيق في المدلولات الحقيقية للقرار وتوقيته وتوظيفه باستغلال تراجع محور صفقة القرن وما يتعرض له من اتهامات أخلاقية وسلوكية وسياسية جعل القرار خارج اطار الضغوط وأن وقعه سيكون إيجابياً شاملاً على كل الأصعدة المحلية والدولية والإقليمية فالكيان الصهيوني هو أبو السلوك الدبلوماسي الأخلاقي المنحط حتى أدنى الدرجات وفي ظل ما يجري في المنطقة حول إعادة تعريف السلوكيات السياسية والدبلوماسية واعادتها إلى بعدها الإنساني وهو أيضا يصب في مصلحة قرار إعادة السيادة المطلقة للجغرافيا الأردنية دون تداخل شبه رسمي او مدني.
أما سبب جدية ذلك القرار على الصعيد السياسي هو خروجه من رأس النظام السياسي الأردني وهذا كاف لوضعه بمكانه الصحيح وهي الرسائل السياسية بأبعاد استراتيجية له ثلاث دلالات يجب أخذها بعين الاعتبار لكل من أراد أن يعرف المضمون الحقيقي لهذا القرار :
أولا: أن الأردن لن يقبل بعد اليوم بالوقوف والصمود أمام الضغط وإنما سيتصدى ويواجه تلك الضغوط من خلال ضغوط مشابهة على قاعدة أنه طفح الكيل. ثانيا: الثقة المطلقة بتماسك الجبهة الداخلية ووقوفها خلف جلالة الملك بشكل غير مسبوق لأن الكيان الصهيوني سيحاول إعادة انتاج مشروع استهداف الجبهة الداخلية.
ثالثا: ان الأردن سينطلق في علاقاته وقراراته من خلال توجهات الرأي العام الأردني وتصوراته وآماله دون النظر الى محددات السلوك الدبلوماسي أو التوافقات التي تقوم على قاعدة الانتقاصة لدور الأردن ومكانته. ان هذا يتطلب من الشعب الأردني ومؤسساته الرسمية وغير الرسمية وخاصة المدنية والأهلية منها في أخذ دلالات هذا الخطاب بعين الاعتبار وخاصة فيما يخص إعادة انتاج الضغوط.
السبب في عدم ذكر الأجهزة الأمنية أو مؤسسات الدولة العميقة في هذه القراءة لأن هذا الجهد يجب أن تقوم به المؤسسات المدنية والمجتمعية فهي من تقود توجهات الرأي العام وهي من توسع دائرة التأييد والدعم على الصعيد الدولي والهدف هو التمهيد لأطلاق مشروع وطني يهدف إلى إعادة تمكين الجبهة الداخلية والحفاظ على حصانتها واطلاق مبادرات شعبية ومدنية وخاصة مؤسسات المجتمع المدني توضيح أبعاد القرار لتكون صمام أمان يقف في مواجهة أي محاولات جديدة لضرب الجبهة الداخلية الأردنية لتحطيم صلابة جدار المقاومة الأردنية لهذه الضغوط ونكون بذلك تجاوزنا مرحلة التصفيق لعمق رؤى جلالة الملك الى الانغماس في ترجمة رؤاه على أرض الواقع في كل المجالات وخاصة الوحدة الوطنية والانسجام الوطني والوئام المجتمعي وبذلك نشكل يقظة شعبية يكون فيها كل أردني كتفا إلى كتف وجنباً إلى جنب مع قيادته السياسية الفذة.
[email protected]