كان الطبيب اليوناني أبقراط –(ابا الطب) (460ق.م – 377 ق.م)، اول من بدأ مسيرة وتقدم التعليم الطبي ونبذ ادخال السحر والشعوذة التي كانت سائدة في الطب. ووضع اسسا جديدة لتعليم الطب تعتمد على الملاحظة و(المشاهدة) لأعراض المرض. تبع ذلك اسس ما سمي (بالاستشارة الطبية) التشاور بين طبيبين او اكثر لمعرفة تشخيص ومعالجة المرضى. هذه الاسس حدثها عضو الجمعية الطبية البريطانية –ب (Sir James Calvert Spence) قبل خمسين عاماً. يقول السير جميس: «ان الاسباب الداعية للعمل المتسم بالألفة والمودة التي تتواجد في الجو المحيط بالمريض خاصة في المستشفى، وما يعانيه من خوف لإصابته بالمرض هو ما يجعله ينشد نصيحة الطبيب الذي يثق به ليساعده في شفاءه». (الاستشارة الطبية) هي الاساس لممارسة المهنة وتطور العلوم الطبية عبر حضارات الامم.
بدايات العلم التطبيقي والتكنولوجيا بدأ في القرن التاسع عشر وقادا وبشكل فعال الطب السريري. وفي القرن العشرين حدثت ثورة في تعليم الطب ما حفز تعميق دور (الطب السريري). واصبح اختراق التفكير بتكنولوجيا متسارعة التطور نحو عصر العلوم. وفي القرن الحادي والعشرين نتعامل كأطباء مع الكم الكبير من الفحوصات المخبرية ، والاشعة والاجراءات التجميلية والليزر التي اصبحت اعمدة هامة لممارسة الطب مكان الاستشارات الطبية التي كانت جوهر ممارسة الطب. ومن المؤسف ان يصبح (طب العائلة) اقل شأناً وقيمة. اما الثورة العلمية التي نشهدها فجلبت فوائد جمة وانعكست على تطور الطب. وظهر النجاح المذهل لتقدم العلوم، لكن هناك خطأ في الرؤيا المتفائلة وهي اعتقادنا ان العلم يملك الاجوبة لكل المشاكل الطبية. اما الغموض فهو الادراك بان المرض والموت محتومان ويتعذر اجتنابهما وان العلم لا يمكنه ان يضع نهاية لجميع الام وعذاب البشرية. جوهرياً فالطب قريب من الفلسفة الانسانية وهو المعني بكل ما يتعلق بحياة الانسان ومشاعره. وعلى الطب بأفاقه الواسعة ان يوظف العلم بشكل كبير لأنه يشتمل على فروع المعرفة. اما ممارسة الطب مدعوماً بمراكز جيدة وبرعاية ذوي الكفاءة العالية فهو الاساس. والممارسة تعتمد على قدرة وحرص الاطباء بتوظيف مشاعرهم الانسانية نحو مرضاهم ويطبقوا خبراتهم. ان اهم عامل في موضوع الطب هو الانسان: حياته، وقيمه وليس ما يتعلق بالفسيولوجيا والبيولوجيا والتشريح. ومن المؤسف ان الاختلاف يبقى بين الطب الاكاديمي والممارسة الطبية في تاريخ البشرية عندما كانت العوامل الاجتماعية والاقتصادية تبشر بثورة لتصنيف الخدمات الطبية. ان تعريف الفلسفة الانسانية بمعانيها الثلاثة شيء اساسي لتقود العلم والطب. (1) كونها وسيلة لإحياء الروح الانسانية والتأكيد على الهموم الدنيوية وهذا ما تجلى في عصر النهضة الاوروبية. (2) الناحية الخيرية والعمل للخير العام. (3) تأكيد الفلسفة الانسانية على قيمة الانسان وقدرة الانسان على تحقيق الذات عن طريق العقل وهنا لا بد ان نعترف بظهور تجاوزات طبية كثيرة لا تخلو من سوء الممارسة والفساد تخالف فلسفة ابقراط. لذا فمهنة الطب لا بد ان تقود مسيرتها للمستقبل لخدمة بني البشر دون التضحية بأهم ما عندها من ارث وميراث واخلاقيات.
مواضيع ذات صلة