محمد خروب
أقل من ثلاثة أسابيع تفصِلنا عن موعدد سحب الأسلحة الثقيلة من المنطقة منزوعة السلاح في إدلب، ليبدأ بعدها «واقع»جديد في المنطقة منزوعة السلاح التي يتراوح عمقها بين 15-20 كيلومتراً، ستُؤخذ من المناطق التي تسيطر عليها المجموعات الإرهابية المسلّحة، التي تحرص أنقرة على التفريق بينهما عبر استخدام مصطلحات مغسولة مثل مجموعات معتدِلة وأخرى متطرِّفة، في الوقت ذاته الذي تُطلق فيه تصريحات ملتبِسة تستبطن وضع عراقيل امام تنفيذ الاتفاق، الذي أُبرِم بين الرئيسين الروسي والتركي في سوتشي،تبادَل فيه وزيرا دفاع البلدين الوثائق والجداول الزمنية المُلزِمة، ناهيك عن الحركات الاستعراضية والمكشوفة التي تنهض بها الاستخبارات التركية عبر تحريكها عملاءها ومرتزقتها من الجيش الحر والمجموعات الارهابية الأخرى،حيث تقوم بإخراج أهالي إدلب وأريافِها للتظاهر ضد الاتفاق (...) ورفض بنوده، وتدعو الى»إسقاط النظام»، وغيرها من الشعارات التي يعلم الأتراك قبل غيرهم انها باتت من الماضي، وان الحقائق الميدانية وتلك الجيوسياسية قد فرضت واقعاً جديداً يصعب على أردوغان تغييره او الانقلاب عليه بعد ان فقد معظم أوراقه، ولم تعد لديه حتى»ورقة إدلب»التي يواصِل التلويح بها،عبر زجّ المزيد من جحافله العسكرية فيها وحشد كتائب من قواته الخاصة، ومحاولة ابعاد الانظار عن حقيقة ان اتفاق سوتشي حول إدلب هو اتفاق»مرحلي»وليس نهائياً، ما يعني ضمن امور أخرى ان البند الذي يتحدث عن وحدة الأراضي السورية وسيادة الدولة السورية هو واجب الإلتزام به والتنفيذ في مرحلة لاحقة،ولن يُحقّق اردوغان اوهامه بضم محافظة إدلب الى تركيا كما كانت حال لواء اسكندرون السوري المحتل، او تحويلها الى منطقة وصاية تركية على طريقة»شمال قبرص»، التي تواصل أنقرة احتلاله والحؤول دون أيّة تسوية سياسية له، تُعيد وحدة قبرص الجغرافية وتحقق المصالحة الشعبية بين إثنِيّتيها التركية واليونانية، منذ اجتاح الجيش التركي الجزيرة في العام 1974 حتى الآن.
لهذا..فإن تصريحات مولود جاويش أوغلو عن»إخراج المجاميع الإرهابية (فقط) من المنطقة منزوعة السلاح، وبقاء الناس والمعارَضة»المعتدلة»في مكانهما بعد تطهيرها من المتطرفين»، تبدو مُريبة وباعثة على الشكوك، وبخاصة في شأن كيفية فصل»المعتدِل»المزعوم عن الإرهابي المتطرف، وما هي المعايير التي ستعتمدها أنقرة في تصنيفها هذا، ناهيك عن»الطريقة»التي ستردّ بها على»إعلانات»الجماعات المُصنّفة»معتدلة»الموالية لتركيا، حيث الأخيرة»تمُوّلها» وتُشغّلها التي تقول: أنها «لن تُسلّم أسلحتها أو الأراضي التي تُسيطِر عليها،رغم انها (المجموعات تُركية الولاء) ستتعاوَن (...) مع جهود أنقرة الدبلوماسية.
هؤلاء الذين يرفضون تسليم أسلحتهم والأراضي التي يسيطرون عليها، هم الذين انضووا بأوامر المخابرات التركية تحت راية ما يُسمّى»الجبهة الوطنية للتحرير»وهي مجموعة عصابات مسلّحة من فصائل ما يُسمّى الجيش الحر،تعمل كمرتزقة وبنادق للايجار مرعية من الاستخبارات اياها.. وهم الذين استخدمتهم انقرة»ورقة»اضافية في معرض حملتها الشرسة التي توسّلتها من اجل»منع»حدوث»مذبحة»في إدلب (كان ذلك قبل اتفاق بوتين اردوغان في سوتشي) لجأ خلالها الرئيس التركي لنشر عدة مقالات في»نيويورك تايمز»و»وول ستريت جورنال»،وفي تصريحات لم تتوقف من اجل تحريض واشنطن والاتحاد الأوروبي على منع تحرير إدلب من سيطرة العصابات الإرهابية. فإذا كان عملاء تركيا وأدواتها في «الجبهة الوطنية للتحرير»(المعتدِلة) يرفضون تسليم أسلحتهم والانسحاب من المنطقة منزوعة السلاح، فكيف لأنقرة ان تواجِه»جبهة تحرير الشام/النصرة سابقاً»، بما هي احد فروع تنظيم القاعدة الذي تصنّفه الأمم المتحدة ومعظم دول العالم بما فيها تركيا بالذات تنظيماً إرهابياً، رَفْض»النصرة»الاتفاق وتعهدها مواجهته بالنار؟ ناهيك عن حلفائها في الحزب الإسلامي التركستاني (الويغور) وتنظيم حُرّاس الدين وغيرهما من الإرهابيين الموصوفين؟.
لعبة الاستذكاء التي تلعبها أنقرة في محاولة لإبعاد الأنظار عن مؤامراتها في إدلب، وتركيزها على ما يحدث في شرق وشمال سوريا وتحديدا تصويبها على قوات سوريا الديمقراطية وحزب الاتحاد الديمقراطي PYD ،لن يُكتَب لها النجاح، لأن استحقاق إدلب بات وشيكاً، ولا يمكنها جمع الصيف والشتاء على سطح تركي واحد.. ومواصَلتها تكتيك شراء الوقت لن يعود بالنفع على أنقرة. وعليها الإختيار بين الإقرار بأنها باتت مصنّفة في صف الخاسِرين شنّوا الحرب الكونية في سوريا وعليها، أو مواجهة استحقاقات وأكلاف المواجَهة العسكرية،أيّاً كانت شراستها والأطراف المُنخرِطة فيها أو المُستعِدة لدعم المنخرِطين فيها حتى نهاية الشوط.. لأنّ إدلب سوريّة وعودتها إلى حضن الدولة الأُمّ, لا تحتمل المساوَمة ولا «التَتريك».
[email protected]