كتاب

"لا صفقة" خير من صفقة سيئة

تتحدث الأنباء عن قرب إعلان الإدارة الأميركية عن'صفقتها'المنتظرة، والتي أعدت في المطبخ الأميركي ذي الطابع الصهيوني غيرالمسبوق، وبتشاور يقال انه أقرب للإملاءات مع بعض الأطراف العربية والفلسطينية.

رسمياً لا نعرف الكثير عن محتواها، رغم ما رشح ويرشح من معلومات غير مؤكدة، ورغم الآراء والأقاويل والتآويل التي نسمعها، والتي لا تنبئ إلا بالسوء فيما يخص الجانب الفلسطيني والعربي، الذي يقف كالعادة موقف المنتظِر المستقبِل، لا المبادِر المرسِل.

عندما تعلن الصفقة، ويقال انها قد تعلن الشهر المقبل، سنكون في وضع أفضل لتقييمها، لكن إلى أن يتم ذلك، نقول الآتي.

أولاً، إن أية خطة سلام منصفة لا بد من توافر عدة حدود دنيا لانجاحها.

منها أن يكون الوسيط محايداً أو أقرب للحياد، وهذا لا يتوافر في الإدارة الأميركية الحالية، والتي هي منحازة لإسرائيل أكثر بكثير من أية إدارة سابقة؛ لا بل إذا ما حكمنا عليها من خلال اللاعبين الرئيسيين فيها (كوشنر وفريدمان وغيرهم) فهي طرف في الصراع لاوسيط فيه.

ومنها، أن يتم إشراك جميع الأطراف في المحادثات، على الأقل كما تم سابقاً في عدة مفاوضات برعاية أميركية كانت تسبقها زيارات'مكوكية'تتبعها مفاوضات ماراثونية بين الأطراف المعنية كافة. كل ما نسمعه منذ مدة أن فريق الإدارة إياه يطبخ بمباركة إسرائيلية ثم يقوم بزيارات خاطفة لبعض الأطراف العربية للتسويق أو الضغط. والمشكلة تكمن أيضاً في أن الطرف الأساسي (الطرف الفلسطيني) شبه مغيب. كيف تكون هنالك'صفقة'دون انخراط الجهات المعنية بها انخراطاً فاعلاً؟

ومنها أن يكون الرئيس المعني بالرعاية (كما كان الحال بالنسبة لجيمي كارتر وجورج بوش الأب، وبيل كلنتون) يتمتع بالنضج السياسي والحد الأدنى من الوعي بتعقيدات القضية. ففي الحقب التي تحقق فيها تقدم باتجاه السلام، كان للرئيس في حينه، وكان لأركان إدارته الأساسيين، دور محوري في نجاح العملية. وهذه الأمور كلها لا تتوافر في الإدارة الحالية.

ثانياً، إنّ أية صفقة، جيدة كانت أم سيئة، ليست ملزمة إذا تحفظ عليها أي من الأطراف المعنية، والأصل فيها أن تعلن بعد قبول جميع الأطراف بها، لا قبل ذلك.

نقطتان مهم التأكيد عليهما هنا.

الأولى أن هذه'الصفقة'قابلة للنقاش حتى بعد إعلانها. يُصوّر لنا بعض'الخبراء'أو'المحللين'خطأً أنّ ما تتفوه به أميركا وإسرائيل وما تنطقانه وكأنّه كلام نهائي محفور بماء من ذهب. وهذا منطق عارٍ عن الصحة، إذ تعلمنا من تجارب سابقة كثيرة أن ما تقدمه أميركا وإسرائيل هي مجرد مقترحات يمكن تعديلها والتفاوض حولها والتراجع عنها إذا ما جوبهت من الجانب الفلسطيني والعربي بمحاورين على قدر المسؤولية. ونؤكد هنا أنه إذا لم يكن لنا دور في صناعة الصفقة، فلنا دور حاسم في تعديلها تعديلاً جوهرياً أو حتى رفضها.

والرفض ينقلنا إلى النقطة الثانية، وهي أننا غير مجبرين لقبول أية صفقة لا تروق لنا. من المهم أن يدرك الفلسطينيون والعرب أنهم في وضع أقوى وأصلب مما يصوره البعض، عن قصد أو جهل، وأنهم يملكون الكثير من الأوراق التي تمكنهم من قول'لا'مدويّة صريحة لأميركا وإسرائيل في حال الإعلان عن صفقة ليست في صالحهم.

كل ما تفعله إسرائيل من أسْر وقتل وتدمير واستيطان ورفض للسلام هو مخالف للقوانين والأعراف الإنسانية وهو وصمة عار وعبء ثقيل عليها، محلياً وعربياً ودولياً، وهي معنية بالسلام رغم إدعائها عكس ذلك، ويجب أن لا ننساق وراء الذين يروجون لفكرة أن إسرائيل في وضع قويّ مريح وأنها ليست في عجلة من أمرها، وكأننا نحن الذين لا حول لنا ولا قوة وفي عجلة من أمرنا. كلام مردود جملة وتفصيلاً.

وبعد، لا يوجد شيء يجبرنا على الهرولة وراء أية صفقة لا تروق لنا، ولنعلم دوماً أن عدم التوصل إلى صفقة خير ألف مرة من القبول بصفقة سيئة، ومثال أوسلو ما زال ماثلاً أمامنا.