لا يتحفّظ إنسان عاقل على النقد، وحتى النقد اللاذع؛ لكن لا يقبل عاقل السلبية والتفكير الهدمي.
النقد أمر إيجابي. فهنالك الكثير من الإخفاقات والأخطاء والمشاكل المؤسسية والإجتماعية التي لا بد من تسليط الضوء عليها، حتى يتم التعامل معها في محاولة لإيجاد حلول لها والمضي قدماً.
وإذا ما تغاضى المجتمع عن السلبيات، ودفن رأسه في الرمل، فلن يتقدم قيد أنمله، وستبقى المعيقات والإخفاقات والاختلالات تشده إلى الخلف.
ومن هنا فإن إنخراط الناس في القضايا واهتمامهم بها، والضغط بهدف تسليط الضوء عليها، اجتماعياً وإعلامياً وحراكياً، لهو أمر مطلوب.
ومن هنا أيضاً تأتي أهمية المعارضة وقوى الضغط والحراك النشط، التي تنتقد السياسات والمواقف الحكومية وتقدم الطروحات والبدائل.
مهم أن يعبّر الناس عن آرائهم بحرية كي يدفعوا المسؤولين باتجاه إعادة النظر في سياساتهم وباتجاه تصويب الأخطاء ومعالجة الاختلالات، وكلما ارتفعت وتيرة النقد وازداد الضغط الشعبي كلما وجدت الحكومة نفسها متخليّة عن التباطؤ والتقاعس ومضطرة لإجراء المطلوب.
هذه هي الحركة الديناميكية المطلوبة في أي مجتمع حيوي، وهذا ما حصل في تظاهرات الدوار الرابع الحضارية قبل مدة، والتي جسّدت النقد البنّاء والحراك المسؤول في أروع تجلياته.
لكن هذا شيء، والتفكير السلبي السوداوي شيء آخر.
المتمعن في وضع مجتمعنا يجد انحيازاً واضحاً من قبل كثير من الناس للتهكم والاستخفاف والسخرية والتشكيك والتقليل من شأن المنجزات. وكأن الحديث عن الإيجابيات أمر مذموم، وكأن الشيء الطبيعي هو الذم والهجاء والازدراء. وبسبب مثل هذا النمط من التفكير تشكلت في مجتمعنا عبر العديد من السنوات ثقافة سلبية سوداوية هدميه لا ترى سوى الفشل ولا تركز إلا على النصف الفارغة من الكأس، ولا تروج إلاّ للخطاب المسموم.
وهذه نزعة سرطانية لها آثار مدمرة إذا ما استفحلت، وقد استفحلت. فنتيجتها الطبيعية شعور الناس بالإحباط والتراخي والاستسلام للواقع وعدم الرغبة أو القدرة على التغيير. وهذا ما لا نريد، وبالذات في هذه المرحلة المفصلية التي يتوجب علينا فيها أن نكون مؤمنين بقدرتنا على التغيير، ومتحفزين متأهبين مستعدين كامل الاستعداد لبذل أقصى الجهود من أجل معالجة عشرات القضايا المرحّلة التي تنتظر حلولاّ ناجعة، مثل مكافحة الفقر والبطالة والفساد والركود الاقتصادي، وتنشيط الاستثمار وتنفيذ المشاريع التنموية بثقة وتطوير قطاعات التعليم والنقل والطاقة والصحة والحياة السياسية، وغيرها كثير.
من هنا تأتي أهمية إشاعة ثقافة التفكير الإيجابي.
فالتفكير الإيجابي ليس سذاجة أو سطحية في التفكير أو تسحيجاً، كما قد يتصور البعض. هنالك منجزات كثيرة تحققت عبر السنوات لا بد أن نعترف بها ونبرزها ونقدر أهميتها في حياتنا وأهمية من أنجزها. هي مهمة لذاتها، لكنها مهمة كمؤشر على أننا –كمجتع وكأفراد – قادرون على الإنجاز والتغيير. والإيمان بالقدرة على التغيير لهو أهم متطلب لتقدم المجتمعات وازدهارها.
التفكيرالإيجابي، إذن، هو الطاقة الإيجابية الشاحذة للهمم المحفزة على العمل والدافعة باتجاه إيجاد الحلول العملية، وبناء الخطط باحتراف، وتنفيذها بدقة، وبدونه لا نتخيل قدرة مجتمعنا على التقدم.
وبعد، ففي الوقت الراهن عندنا عجز كبير في التفكير الإيجابي، وتضخم زائد عن حدّه في التفكير السلبي، وعلينا استنفار طاقاتنا، في الأسرة والمدرسة والجامعة ومنابر الخطابة العديدة ومؤسسات المجتمع المعنية، من أجل إشاعة وتعظيم التفكير الإيجابي، والحد من السلبية والسوداوية، التي لا تفضي إلا إلى الإضرار بنا نحن.
amajdoubeh@yahoo.com
مواضيع ذات صلة