النائب د. فايز بصبوص
من خلال الخطاب الذي القاه رئيس الوزراء الجديد عمر الرزاز امام مجلس الامة فقد صور لنا برنامجا حكوميا يعبر عن مثالية مفرطة اذا استطاع تنفيذ عشرة بالمئة من هذا البرنامج سيكون الأردن على أبواب تحول اقتصاديا وسياسيا غير مسبوق ، ولكن الجوهر الذي يجب ان يأخذ مساحة أوسع في خطابه هو المعيقات الحقيقية التي تواجه جذب الرساميل الاستثمارية الى الأردن حتى يستطيع ان ينهض في الاقتصاد الأردني ووضعه على السكة الصحيحة أي أبواب التحول الحقيقي لترجمة هذا البعد من خطابه على الامر الواقع نقول هذا لسبب حقيقي وهو قرب فتح المعابر الحدودية بيننا وبين العراق وسوريا وضخامة الاستثمارات التي ستتدفق من اجل إعادة بناء الدولتين العربيتين الشقيقتين بعد الدمار الذي استهدف بنيتهما التحتية وخاصة الاقتصادية منها وبشكل ادق القطاع العقاري المحرك الجبار لكل الاقتصادات .
ان اهم عنوان لمواجهة واستيعاب كل هذه التطورات للاستفادة القصوى من هذا المستجد السياسي يكمن في مفهوم الاتمتة وهي المفتاح الحقيقي الذي نستطيع من خلاله القضاء على ازمة جذب الاستثمارات والرساميل وعيوب ونواقص وأمراض هيئة الاستثمار فالأتمتة تقضي على الفساد والرشوة وتوحد المرجعيات وهي العدو الحقيقي للبيروقراطية الإدارية والاهم من كل ذلك هو اختصار الوقت والجهد وتعطي ارتياحا كليا وامانا للمستثمر وتجعله قادرا على توظيف رأسماله في استثمارات مجدية تعود على الوطن بكل نتائجه مما ينعكس على حجم التوظيف والتشغيل لأبنائنا العاطلين عن العمل و تؤدي أيضا الى القضاء على البيروقراطية المبطنة الكامنة في تضخم الوظائف الإدارية التي تنهش موازنة المؤسسات الحكومية .
نقول ذلك لأن عدم نجاح المناخ الاستثماري بالرغم من الاستقرار الامني والاقتصادي وجولات جلالة الملك المكوكية الناجحة لدول الغرب وامريكا لجذب الاستثمارات الى الاردن.
يعود الى ان هيئة الاستثمار ما زالت تراوح مكانها وأن الشكاوي من كبار وصغار المستثمرين قد ازدادت وما زالت تتصاعد مما يتطلب الاستعانة بالقطاع الخاص المتمثل بجمعية رجال الاعمال الاردنيين وجمعية الاعمال الأردنية الأوروبية وغرف الصناعة والتجارة مع اعادة مراجعة لشخوص وعمل رؤساء الهيئات الاستثمارية وعلى رأسها هيئة الاستثمار التي عجزت ولم تقدم للأردن ما هو مأمول منها .
في كافة أنحاء العالم المتحضر تلتصق المؤسسات الاستثمارية بالمؤسسات الاعلامية وجمعيات رجال الاعمال والصناعة والتجارة في القطاع الخاص لتجاوز الروتين الوظيفي الغير معني بنجاح الاستثمار او فشله كوّن المهمة بالنسبة لمعظمهم تتعلق براتب اخر الشهر ورحلات رفاهية تحت غطاء الترويج لجلب المستثمرين , من غير المعقول او المجدي ان نعتمد على مؤسسة حكومية معنية بقطاع الاستثمار بالبلاد دون التنسيق مع الشريك الاستراتيجي وهو القطاع الخاص المخضرم في مجال الاستثمار بالإضافة الى الاعلام للترويج لهذه الانجازات والبحث عنها , لإيصال رسالة للمستثمرين الأجانب بميزات الاستثمار في الاردن. وإشعارهم بالطمأنينة وسبل نجاح استثماراتهم في بلد آمن ومشجع للاستثمارات ولا سيما اننا مقبلون على مشاريع ضخمه قد يكون المستثمرون طرفاً فيها لإعادة بناء سوريا والعراق كما اسلفنا سابقا .
نحن بحاجة ماسة لتدخل القطاع الخاص من ذوي الخبرة والاختصاص لتطبيق رؤى جلالة الملك من خلال مشاركة فعلية في اتخاذ القرارات وليس التوصيات فحسب ، كونها ترمى في سلة المهملات وينفذ ما تراه الحكومة مناسباً من اجل مصالحهم السياسية فحسب ، ان يكتفي المعنيون في شؤون الاستثمار ومساعدوه بمرافقة جلالة الملك بمعية بعض الاعلامين دون التنسيق مع جمعية رجال الاعمال والقائمين على غرف الصناعة والتجارة اصحاب الخبرة والمعرفة بمجال الاستثمار في رحلات جلالته المكوكية لجلب الاستثمار من اجل متابعة لقاءات جلالة الملك الهامة في الدول المعنية ،
ما زالت البيروقراطية والروتين القاتل مهيمنان على هيئة الاستثمار بالرغم من بعض التعديلات غير المجدية ، إن هذا الروتين القاتل هو الفشل بعينه ، لذلك إذا كانت الدولة جادة بالفعل في احياء الاستثمار في الأردن ، وخاصة بعد ما تفتح المعابر الحدودية فعليها ان تعيد النظر في كل المناصب المتعلقة بالمناطق الاستثمارية وهيئة الاستثمار ، وإلا فإننا في حال ابقاء الامور على حالها سنتجه نحو فشل دائم في ظل تراكم المديونية ومحاولة دول الخليج والدول المانحة التملص من مسؤوليتها نحو مئات آلاف من اللاجئين الذين يحتضنهم الاردن ، وتكدس البطالة وليس آخراً ، ظلم وتجبر صندوق النقد الدولي من خلال التدخل المباشر بقوت الاردنيين ومستقبلهم ومصيرهم الذي اصبح مجهولا .
ان التحدي الاكبر هو عدم قدرة المسؤولين الاردنيين على تحقيق رؤى و تطلعات الملك وتنفيذ توجيهاته في التسهيل على المستثمرين ، اذ لعبت البيروقراطية دوراً كبيراً في دفع الكثير من المستثمرين الى الانتقال الى بعض الدول المجاورة مثل مصر او حتى التخلي عن فكرة الاستثمار بشكل كامل بسبب التعقيدات التي يواجهها المستثمر، حيث اصبح الاردن من اصعب الدول من حيث الاستثمار في المنطقة. فالمستثمر يحتاج الى ثلاث موافقات امنية تتطلب الواحدة منها خمسة عشر يوما ً، ناهيك عن متطلبات الشهادات الصحية للموقع والكشوفات والموافقات المختلفة، وغير ذلك من الموافقات الفنية والاجرائية مما جعلها بيئة طاردة لكثير من الاستثمارات والذي افقدها التنافسية مع الدول المجاورة.
فالأتمتة هي الحل السحري وهي المفتاح القادر على توحيد المرجعيات وهي العصاة السحرية التي لم يتطرق لها الرزاز بشكل موسع عندها فقط نعطى المستثمر الانطباع بانه امام مؤسسات مهنية وعملية وان المسؤولين يحرصون على مصلحته ومصلحة الوطن، ونشجعه بالفعل على الاستثمار بالأردن واثقاً باستقرار التعليمات والتشريعات وثباتها. نعم حتى ننافس الاشقاء في الدول العربية المجاورة الذين يمتلكون اسواق اكبر وايدي عامله ارخص ، ويعملون على تشجيع المستثمر ومنحه كافة التسهيلات والاعفاءات ، علينا ان نحذوا حذوهم في التشجيع وتيسير الاجراءات و تثبيت التعليمات والأنظمة لضمان استقرار التشريعات والاجراءات ، اضافة الى ما نملكه من امن و طاقات بشرية متفوقين على المنافسين في هذا المجال. والاهم من ذلك ان نشعر كمسؤولين كما يشعر جلالتة ان مصلحة الاردن والاردنيين هي مصلحه شخصية مهمه ونعمل من اجلها. هكذا نستطيع ان نوظف التحولات السياسية والعسكرية التي حصلت مؤخرا وخاصة سيطرة الحكومة السورية على المعابر والاطمئنان العراقي والبيئة الحاضنة لمعبرنا الشرقي مع الاشقاء العراقيين من اجل جعل عمان مفتاحا لتدفق الرساميل والاستثمارات لأعادة بناء الدمار الشامل نتيجة الحروب التي خاضها البلدين الشقيقين ضد الإرهاب والجماعات المسلحة غير ذلك فان طرابلس بالشمال اللبناني ستكون هي مفتاح تلك الرساميل فالأسراع ضرورة قصوى وذلك من خلال استغلال الواقع والتجاذبات السياسية بين الفرقاء في لبنان حول تشكيل الحكومة مما يعزز فرصنا على قاعدة الاستقرار السياسي والأمني مع اننا نتمنى وبكل صدق ان تشكل حكومة لبنانية سريعا من اجل ان تكون المنافسة قائمة على الابداع في جذب هذه الاستثمارات ولكن عدم الاستقرار السياسي في لبنان يجعل الأردن المرشح شبه الأوحد للأستفادة من المناخ السياسي والاقتصادي في المنطقة لكن ذلك يتطلب الخروج من عمق الزجاجة البيروقراطية التي هي سمة عامة ملتصقة دائما بالمسؤولين عن الاستثمار وخاصة هيئتنا العتيدة .