د. صلاح جرّار
انشغل العالم كلّه في هذه الأيّام بما يسمّونه صفقة القرن التي ابتدعها الرئيس الأميريكي دونالد ترمب وطاقمه السياسي والتجاري والأمني، ويحاول كثير من أهل الفكر والسياسة العرب وغيرهم أن يتعرّفوا تفاصيل هذه الصفقة وسط ضبابيّة وغموض، بينما ينتظر العرب والمسلمون ما ستسفر عنه الصفقة وكأنّها قدر محتوم.
إنّ صفقة القرن أيّاً كان شكلها ومضمونها وأهدافها هي نتيجة طبيعية للوضع العربي الراهن الذي يتّسم بالتمزّق والحروب الداخلية والصراعات المجنونة والتقاعس والتخاذل عن مواجهة التحدّيات والأطماع والمؤامرات الخارجية والاحتلال الصهيوني للأراضي العربيّة.
ولا يخفى على أيّ ناظر أنّ الصهاينة وحليفهم الأميركي يزدادون تعنّتاً وغطرسة كلّما ازداد العرب ليناً وتراخياً، حتّى بلغ بهم الأمر أن يطالبونا بما لا يتقبّله العقل والمنطق والأصول والقواعد وأن يعاملونا معاملة المهزوم المستسلم والعبد الذليل، وانتهى بهم الأمر إلى ما نراه اليوم من محاولتهم فرض الحلّ الذي يرتضونه لهم ولا يحقق لنا أيّ مطلب من مطالبنا أو يعيد لنا أيّ حقّ من حقوقنا العربيّة المسلوبة.
ولذلك فإنه لا بدّ لنا أمام هذه الحال الخطيرة من الاحتكام مجدّداً إلى القاعدة التي تقول إنّ عدوّنا يزداد تعنّتاً وتمادياً وصلفاً وغطرسة كلّما ازددنا صمتاً وتراخياً وتقاعساً، وأنّه لا بدّ لنا من الخروج من حالة الصمت والتقاعس، وأن نعلن أوّلاً رفضنا لكلّ المخططات الصهيونية والأميركية رفضاً قاطعاً، وأن نختار صفقتنا التي نريد للحلّ، فتكون صفقة العمر لا صفقة القرن، وأن تتكون مفردات هذه الصفقة من البنود التالية:
أوّلاً: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.
ثانياً: مغادرة جميع اليهود الذين جاءوا إلى فلسطين بعد وعد بلفور سنة 1917 هم وأبناؤهم وأحفادهم إلى البلدان التي جاءوا منها دون أن يحملوا معهم أيّ شيء.
ثالثاً: أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بتعويض الفلسطينيين عن جميع الأضرار التي لحقت بالأرض وسكانها من جرّاء الاحتلال الصهيوني لها.
رابعاً: أن تقوم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بتعويض الدول العربيّة عن الأضرار التي لحقت بها من جرّاء الاعتداءات الصهيونية على أراضيها وعن استضافتها للاجئين طوال مدّة الاحتلال.
خامساً: تسليم جميع الإسرائيليين الذين شاركوا في قتل الفلسطينيين للجانب الفلسطيني لمحاكمتهم وإيقاع العقوبات المناسبة في كلّ واحد منهم.
سادساً: عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم.
سابعاً: أن يوقّع قادة الاحتلال الصهيوني على وثيقة تنصّ على أنّه ليس لهم أيّ حقّ تاريخيّ أو غيره في فلسطين.
ثامناً: في حال رغبة الجانب الاحتلالي وحليفه الأميركي في التفاوض على أيّ من هذه البنود، فإنه يجري استفتاء للمواطنين الفلسطينيين شرط أن تحظى هذه الرغبة بموافقة جميع أطفال فلسطين وذوي شهدائها كافّة.
وقد يرى بعض الناس في هذه البنود حلماً لا سبيل إلى تحقيقه في الوضع الراهن للأمة العربيّة، فأقول إنّ الوضع الراهن مهما بلغ من السوء والتردّي لا يلغي أيّاً من حقوق أصحاب الحقوق، وإنّ هذه البنود هي حقوق لنا، علينا أن نستمر في المطالبة بها سواء استطعنا ذلك الآن أم لم نستطع أم استطعناه مستقبلاً.
إنّ المحتلّين الصهاينة ليسوا أشدّ اعتزازاً بالنفس من أهل الأرض المحتلّة ولا أكثر امتلاكاً للعزّة والكرامة والشرف والإباء والثقة بالنفس من هؤلاء الطارئين اللصوص والجبناء الذين تهزمهم الحجارة والطائرات الورقية وبالونات الأطفال.
[email protected]