رأينا
لا مبالغة في وصف لقاء القمة الذي عقده جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن، والذي أخذ وقتاً أكثر مما هو مقرر له في مثل هذه اللقاءات، كان الأكثر أهمية وحساسية في سلسلة اللقاءات التي عقدها جلالته مع الرئيس الأميركي ومع أركان الإدارة الأميركية منذ وصوله الى سدّة الرئاسة وبخاصة ان القمة الأخيرة تأتي في ظروف إقليمية ودولية بالغة الدقة والخطورة ما استوجب من جلالته بذل المزيد من الجهود والطاقات من أجل التحذير من مغبة تجاوز الأسس والتفاهمات التي قامت عليها عملية السلام طوال العقود الماضية وإعادة الاعتبار للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية الصادرة منذ نصف قرن والتي تبلورت في حقيقة ان لا سبيل الى احلال سلام عادل ودائم في المنطقة ووضع حد نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي سوى حلّ الدولتين فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية تعيش بسلام وأمن إلى جانب إسرائيل وبغير ذلك فإن الصراع سيتواصل واي حلول مفروضة ستكون بلا طائل، فضلاً عن استمرار عدم الأمن والاستقرار.
من هنا جاء تأكيد جلالة الملك في هذا الاتجاه ليؤكد ثوابت المواقف ودقة القراءة الأردنية الداعية إلى تكثيف الجهود لإعادة تحريك عملية السلام واطلاق مفاوضات جادة وفاعلة، كون البحث عن ركيزة أساسية لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة بأسرها لا يمكن أن يتم بدون فهم هذه الحقائق والعمل على إنجازها.
القمة الأردنية الأميركية اسهمت في توضيح وجهة النظر الأردنية حيال ما يجري في المنطقة، من احداث وتطورات متلاحقة وبخاصة على صعيد الأزمة السورية، حيث جرى التأكيد على ضرورة الحفاظ على الاستقرار والتهدئة ومنطقة خفض التصعيد جنوب غرب سوريا واحترام الاتفاق الذي تم التوصل إليه في هذا الخصوص العام الماضي بين الأردن والولايات المتحدة وروسيا، في الوقت ذاته الذي اعاد فيه جلالة الملك التأكيد على أهمية تكثيف الجهود الدولية لايجاد حل سياسي للأزمة في سوريا وبما يحقق الأمن والاستقرار لشعبها ويحفظ وحدة أراضيها.
ولأن الأردن يأخذ في قراءته الدقيقة ذات البعد الشمولي لما يحدث في المنطقة والمخاطر التي تتهددها فان جدول اعمال القمة اشتمل ايضا على الجهود الاقليمية الدولية في الحرب على الإرهاب ضمن استراتيجية شمولية دأب جلالة الملك على الدعوة إليها وحشد الطاقات والجهود المشتركة من اجل دحر الارهاب وتجفيف منابعه والقضاء على خطابه الظلامي.
القمة الأردنية الأميركية وما سبقها وما تبعها من لقاءات مع أركان الإدارة الأميركية شكلت فرصة متجددة أمام عمّان وواشنطن لاعادة التأكيد على عمق وأهمية علاقات الشراكة الاستراتيجية بين البلدين فضلاً عن تطرق المباحثات الى التحديات الاقتصادية والمالية التي يواجهها الأردن والناجمة عن الأزمات في المنطقة والاصلاحات والبرامج الاقتصادية التي تقوم بها المملكة لتجاوز هذه التحديات الامر الذي تجلّى في تأكيد الرئيس الأميركي التزام الولايات المتحدة الوقوف الى جانب الأردن ودعمه اقتصادياً، فضلاً عن التقدير العالي الذي أظهره الرئيس الأميركي للأردن ولجلالة الملك على ما وصفه «بالدور الرائع الذي يقوم به الأردن فيما يتعلق باللاجئين ومخيمات اللجوء وتقديم العون على مستوى العمل الإنساني فضلاً عن شكره وتقديره للمملكة التي تنفق الأموال التي تقدمها الولايات المتحدة في أطرها الصحيحة..
وقال ترمب «إن جلالة الملك استخدم تعبير «دافىء» في حديثه عني، وهذا تعبير يسعدني حقاً أن العمل الذي تقومون به ـ جلالتكم ـ رائع للغاية وبالفعل نحن ننفق الأموال في الكثير من الأماكن، إلا أن كثيرين لا يقومون بالجهود التي تقومون بها، ولذلك أود أن أشكركم جزيل الشكر».
قصارى القول إن جلالة الملك عبدالله الثاني يواصل في اصرار وشجاعة ودأب ومثابرة بذل جهوده المباركة في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد وعبر أكثر من عاصمة من عواصم القرار الدولي من أجل دعم حقوق الشعب الفلسطيني الشقيق وتصويب المحاولات لحرف عملية السلام عن أهدافها والتحذير من مغبة تجاوز قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي اذا ما اراد المجتمع الدولي تحقيق السلام في المنطقة وعدم توالد الأزمات والحروب فيها في الوقت ذاته الذي يواصل فيه حشد الدعم للأردن اقتصادياً ومالياً واستثمارياً وتوثيق علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة في المجالات كافة وعلى رأسها المجالات الاقتصادية والعسكرية والعديد من البرامج التنموية.