د. صلاح جرّار
الإحصائيات التي تصدر باستمرار عن عدد الكتب أو الصفحات التي يقرأها العرب سنويّاً مقارنة مع ما يقرأه غيرهم ليست بالضرورة أن تكون دقيقة مئة بالمئة، ولكنّها في أغلب الأحوال تكشف عن الفرق الواسع بين العرب وغيرهم من الشعوب في معدّلات القراءة ومعدّلات التأليف والنشر، كما تكشف عن حقيقة مهمّة، هي أنّ الشعوب الأكثر قراءة هي الشعوب الأكثر تقدّماً علميّاً واقتصاديّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً، وذلك لما للقراءة من فوائد عديدة وجليلة. فالقراءة توسّع الآفاق والمدارك للأفراد والجماعات على حدّ سواء وتختصر على الناس الكثير من الزمن لأنها تقدّم للقارئ خلاصة تجارب وخبرات وجهود طويلة جدّاً يعرفها القارئ في دقائق فقط..
كما أنّ القراءة تزيد الحصيلة المعرفية للقارئ الفرد وللمجتمع القارئ، وكلّما ازداد المجتمع أو الفرد معرفة ازداد قوّة، لأنّ المعرفة قوّة، والأمم تتفاوت في قوتها بناء على حجم معرفتها ونوع معرفتها، لأنّ المعرفة تعينها على حسن التصرّف وكيف تواجه التحدّيات والمصاعب والأخطار، فالذي يعرف صناعة سلاح واستعماله هو قطعاً أقوى ممّن لا يعرف ذلك، والذي يعرف كيف يقاوم الأمراض هو أقوى وأكثر أمناً واستقراراً ونشاطاً ممّن لا يعرف لك، والذي يعرف كيف يستخرج الذهب أو النفط أو الماء من باطن الأرض هو قطعاً أقوى ممّن لا يعرف ذلك، وهكذا، فالمعرفة على هذا الأساس هي مصدر الرزق والأمن والاستقرار والقوة والنجاح والتفوّق، ولا تتحقق المعرفة إلاّ بالقراءة التي كلّما ازدادت معدّلاتها ازداد عطاؤها وازدادت قوّة صاحبها.
والقراءة تساعد على تنشيط الخيال وتفعيله، فكلّما ازدادت قراءة الشخص ازداد نشاط خياله، لأنّ القراءة تفتح له آفاقاً واسعة لبناء عوالم جديدة أو مثالية أو نموذجيّة في خياله.
والقراءة تحثّ على التفكير، لأنّ القارئ يواجه دائماً أفكاراً جديدة قد تتوافق مع أفكاره أو تناقضها أو تضيف إليها، فتنشط آليات التفكير عنده وتتولّد لديه أفكار جديدة، وكلّما نشط تفكيره توصل إلى معارف جديدة تساعده في تقدّمه وإنجازه.
وما دامت القراءة تثير التفكير فإنها تكون عاملاً مهمّاً من عوامل تشجيع البحث الذي هو أساس تقدّم الأمم، فمن غير البحث لا تستطيع الأمم أن تنهض بسائر النشاطات الحيوية وعوامل النهوض والتقدّم كالصناعة والزراعة والطبّ والتجارة وإصلاح المجتمعات وغيرها.
والقراءة وسيلة من وسائل المتعة حيث تذهب بالشخص إلى عوالم مختلفة وجديدة لما تقدّمه من جديد له مع كلّ قراءة.
إنّ الأمم المتحضرة هي التي تدرك هذه الفوائد التي لا تحصى للقراءة، وهي التي تحثّ أبناءها بكل الوسائل على القراءة وتوفّرها لهم في كلّ الأوقات، وتجعل من القراءة عادة يوميّة لا غنى عنها.
إنّ مسؤولية تنمية عادة القراءة عند الأفراد والجماعات أمام هذه الأهميّة البالغة للقراءة وقدرتها على الانتقال بالمجتمعات من حال إلى حال أفضل وتأخذ بيدها نحو المستقبل، تقع هذه المسؤولية على عاتق المؤسسات الإعلامية وعلى عاتق الأسرة، التي يجب عليها أن تزرع عادة القراءة في أبنائها من سنّ الطفولة المبكرة، بحيث لا يستطيع الطفل عندما يكبر أن يتخلّى عن هذه العادة المحمودة.
[email protected]