د.اسمهان ماجد الطاهر
على شواطئ بحر الأيام نسير مع السائرين نتلمس نهاراً انيقاً بقرب النوافذ التي ترتدي الستائر البيضاء التي تجذب ضوء الشمس وترحب به. مع كل صباح جديد أحداثاً عديدة ووجوهًا كثيرة تمر بنا ثم يحل الليل. قد تواجهنا ليلة غادرت النجوم سماءها وعم فيها الظلام. نمضي بها مضطربين نقطع مسافات طويلة نمر بجبال وأودية وصخور يا لطول الطريق!
وقد يقابلنا خيال يهدد الآفاق نسأله من أنتِ! يجيب وبصوته الشر: «أنا النميمة والغيبة، الشراسة والشائعات. أنا الشفة التي تبتسم ومن ورائها أنياب تنهش نهشا. أنا اليد التي تضرب بلا ثأر. أنا القلب الذي يضمر الحقد والضغينة بلا سبب. أنا الخبث والحسد. أنا الذم القبيح المختفي وراء شهد التملق وتكلف الصمت». نسرع بالابتعاد محاولين تحاشي ذلك الخيال ونتبع سبيل الحذر والتحفظ.
يزمجر الخيال سوف أؤذيكم بأصغر الأسلحة وأكثرها اقتدارا وأمضاها حدة وأبعدها عن منطقة العقوبة الدنيوية: اللسان. الخيال القبيح يُكثر الإساءة للآخرين في استسلامِ حر وطوعي للفساد.
يهدد قائلاً كلماتي ستنقض عليكم كالصواعق ستقطع الأنفاس وتزيد ضغط الهواء. ترى لاي سبب يوجد هذا الخيال في الوجود! لم يبق معانداً معاقباً منتقماً. ما أقسى فساد النفس فهو يكبل الروح بالهواجس والتصورات التي تخترق الضمير. من يبرئ سقم ذاك الخيال. متى سيستقر صوته ويصبح ودوداً باسماً!
من سيقنع الخيال أن الكلمات الفجة والنميمة والإساءة للآخرين تشبه النيازك النارية الهابطة من السماء على الأرض بدون غاية لانها تتحول الى حجارة سوداء. من يقنع الخيال أن ألسنة النار لا تشبه زهرات القرنفل والياسمين! إن الإجابة على تلك التساؤلات صعب للغاية. قد يثمر إلهام الخيال إلى موهبة المحبة في جعله ينظر بعينين صافيتين ليرى النور الذي يعلو ويغمر كل الحروب الكلامية.
المحبة حتماً ستقلل غربة الخيال عن ذاته وغربته عن الآخرين وتحوله لإنسان نقي السريرة فيهجر صاحب الخيال اللغو الفارغ والتمثيل الكاذب والعاطفة السقيمة ويستصحُ ويبرأ. ومع بزوغ الفجر تهتدي روحه لتذوق طيب الكلام الجميل ويتعلم صون اللسان وإتقان الصمت عن الكلام غير المباح.
هي دعوة لهجر الغيبة والنميمة والشائعات السوداء وكما أن جدول الحساب الذي وضعه فيثاغورس هو جدول ضرب كذلك الجدول الأخلاقي لتعداد مساوئ العباد والحكم عليهم يشبه جدول الضرب فتعالى بأخلاقك وقيمك عن كل طرح قبيح وليحاسب كل إنسان نفسه قبل أن يحاسب.
ينبض ذات القلب في صدر كل كائن بشري والفرق الحقيقي بين البشر هو كيف يحلل كل منهم قيود الشفاه والأسرار التي أطبقتها. للكلمات قدسية مختزنة في النفس والأعماق وهي ما تضمن وقاية النفس الطاهرة من تلاعب الأهواء.
جميعنا ننشد الخير الدنيوي لكن لا يدركه إلا من ملك نفساً نقية وراضية تتقن التواصل والتفاهم مع الآخرين. الجمال الروحي هو الوحيد الذي يمد الصور الجامدة بالحياة وهو ما يخلق الجاذبية ويأمر نهر الحياة بأن يستمر في السير بهدوء الواثقين واتزان الصالحين.
[email protected]