الاب رفعت بدر
صدر قبل أيام كتاب جديد يحمل اسم: «مركز سيدة السلام، رسالة وكنيسة»، ويعرف المقرّبون أنّ الكاتب هو المطران سليم الصايغ، مؤسس المركز، إلا أنه آثر التواري، ولم يذكر اسمه بل وضعه حقاً للنيابة البطريركية اللاتينية (أو ما يعرف بمطرانية اللاتين).
يتحدّث الكتاب أوّلاً عن مركز سيدة السلام الواقع على طريق المطار، والذي يُعنى بالأطفال من ذوي الاعاقات وانطلق عام 2004 برعاية من صاحبة الجلالة الملكة رانيا العبدالله التي زارت المركز قبيل عيد الميلاد العام الماضي. ومن ذلك الحين شكل المركز انعكاساً للحالة الأردنية الفريدة، في تلاحم المجتمع من مسلمين ومسيحيين، حول خدمة الانسان وبالأخص المتألم والفقير والناظر إلى المستقبل بروح الأمل الذي يتقن التحدّي ولا يعرف اليأس أبداً.
هو رسالة عربية مسيحية، وكما جاء في مقدّمة الكتاب التي خطّها المدبر الرسولي لبطريركية اللاتين المطران بيرباتيستا بتسابالا، فانّ المسيحيين في الأردن «ليسوا شعباً منفصلاً عن اخوتهم المسلمين، بل انهم أبناء حضارة واحدة بجميع مقوّماتها وخلفهم تراث كبير من التعايش والمودة، وانتماؤهم إلى الوطن مبني على قاعدة التاريخ والمصير». من أجل ذلك انّ رسالة مركز سيدة السلام هي جزء من «الرسالة الأردنية»، حيث انّ الأردن، ملكاً وحكومة وشعباً، يحملون هذه الرسالة: وهي أننا الدولة العربية الوحيدة التي لديها «البنية التحتية» التاريخية والاجتماعية والدستورية، التي تمكّن من بلدنا من أن يبني عليها ويرسم خطاً واضحاً للمواطنة الكاملة لجميع المواطنين، مبنياً على العروبة المخلصة الصامدة والمشتركة بين المسلمين والمسيحيين. ويصف الكتاب رسالة مركز سيدة السلام، بأنها رسالة إنسانية ووطنية ومسيحية، وقد بارك حجر أساسه البابا يوحنا بولس الثاني عام 2000 وزاره البابا بندكتس عام 2009. أما الشق الثاني فيتحدّث عن الكنيسة التي دشنّت قبل عشرة أعوام، وهي من أكبر الكنائس الحديثة في الأردن، ولكنّ المميّز فيها هو الرسومات التي تزيّن جدرانها وتبيّن حقيقة الأردن الأرض المقدّسة، حيث تصوّر السيد المسيح وأمّه العذراء والأنبياء ايليا و موسى ويوحنا المعمدان، بالإضافة إلى شهداء القرون الأولى للمسيحية الذين قضوا في سبيل ايمانهم الناشيء وقتها. انّ تلك الرسومات التي أبدعت راهبات فرنسيات جئن من دير بيت الجمال في فلسطين ليرسمنها، تعتبر دروساً بليغة تبيّن حقيقة القداسة في وطننا، وهو دعوة للمواطن الأردني للتعرّف على هذه الديار والآثار والتاريخ، وهو كذلك دعوة للأصدقاء في كلّ مكان، ليأتوا إلى الأردن، كمكان حقيقي لأداء فرائض الحجّ المسيحي.
انّ الكتاب الجديد يبيّن أمرين: أولا عراقة الحضور المسحيي في بلدنا الحبيب. وثانيا العلاقات المميّزة بين المسلمين والمسيحيين، عبر التعاون والاخاء، ليس في منظومة المؤتمرات والندوات التي تعقد بين الفينة والاخرى، وكلها منتديات فكرية وفلسفية تعتمد على الخطب البليغة والمحاضرات الرنّانة، وهي بلا شك مهمّة. ولكن عبر حوار « الحياة « والتركيز على المشترك الديني والانساني، في التنبّه العملي إلى حاجات الناس الاكثر فقرا وألماً، وفي التوافق على إعطاء الاولوية لخدمة هذه الشريحة العزيزة من المجتمع، والتي تحتاج دائما الى رفدها بكلّ ما يستجد من اكتشافات علمية، تخفّف الالم وتحيي الامل، وقبل ذلك، في تقديم المحبّة والاحترام، بشكل يومي، تماماً كما هو الحال في مركز سيّدة السلام.
[email protected]