محمد خروب
حتى الآن.. تُوصَف مدينة عدن, درّة موانئ اليمن وبوابته فائقة الموقع الاستراتيجي, الذي «اغرى» المستعمِرين البريطانيين للإنقضاض عليه ومواصلة احتلالِه لأكثر من قرن وثلث (1837-1967), الى ان أجبرَهم ثوار الجبهة القومية على الرحيل, واعلان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في تشرين الأول عام 1967 ,التي اختفت من الخرائط في ايار 1990 عبر الاتحاد الطوعي «الجنوبي» مع الشمال, لكنها وحدة تم اجهاضها بـِ»فضل» جشع وانتهازية وديكتاتورية علي عبدالله صالح, ولم يهدأ اليمن «المُوحّد» منذ ذلك الحين.. حتى الان.
نقول: تُوصَف عدن حتى الان, بانها العاصمة المؤقتة لـ»الشرعية» التي يدعيها او يخلعها على نفسه الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، لكنها(عدن) في واقع الحال, ليست تحت السيطرة الكاملة لحكومة احمد عبيد بن دغر، التي تدير اعمالها من خارج اليمن, بافتراض انها تقوم بأي عمل.. اصلاً, بعد ان تمزّقت البلاد وسيطر امراء الحرب.. كما داعش والقاعدة, على مساحات ومحافظات شاسعة في الجنوب اليمني, وعدن بالطبع ليس استثناءً من هذه الفوضى المسلّحة التي تعصف بالجنوب اليمني, (دع عنك الحرب الدائرة في شماله بين جماعة انصار الله والتحالف العربي).
عادت عدن الى الاضواء مُجدّداً، ليس من باب التفجيرات والمواجهات والاغتيالات التي يرتكبها ويقوم بها ارهابيو داعش والقاعدة، بل هذه المرة من باب المعارك العنيفة التي يخوضها من «يُفترَض» انهم ضمن صفوف «الشرعية», لكنهم في واقع الحال ليسوا كذلك. اذ لكل طرف منهما مشروعه وتحالفاته, وما حال دون انفجار الخلافات بينهما (حتى يوم اول من امس) هي الضغوط التي تُمارَس عليهما من قبل «الحلفاء»، فضلا عن فشل التحالف حتى الان, في حسم المعارك الدائرة في الشمال لصالحه, اضافة بالطبع الى الاوضاع الكارثية التي يعيشها الشعب اليمني في الشمال خصوصاً, وما يعانِيه من مجاعة واوبئة تفتك بأطفاله ونسائه وشيوخه ودمار بناه التحتية, الامر الذي لم يستطع المواطئون في المجتمع الدولي, مواصَلة تجاهل هذه المأساة الانسانية, ما استدعى إدراج هذه المسألة وفي شكل عاجل على الاجندة الدولية,بعد طول تجاهُل.
طرفا المواجهة الراهنة في عدن, والتي اخذت بُعداً اكثر حِدة مما كانت عليه في السابق, الذي اقتصر على بيانات ومهرجانات سياسية وخطابية، هما حكومة بن دغر الموصوفة بالشرعية, والمجلس الإنتقالي الجنوبي الذي أعلَن ان هدفه هو استعادة «دولة الجنوب» وفك الارتباط مع الشمال, بعد فشل تجربة «الوحدة» التي لم يَجنِ منها الجنوبيون, سوى التمييز واعتبارهم رعايا من «الدرجة الثانية» وسيطرة «الشماليين» على مقدرات الجنوب واقتصاده ووظائفه, والإمعان في تهميش وإهمال الجنوب شعباً ومحافظات.
المواجهات العنيفة في اليومين الماضيين عكست ضِمن امور اخرى, مدى الاحتقان بين جانبي «المعادَلة» الجنوبية المهتزّة, التي من السذاجة النظر اليها على انها مجرد خلاف بين «اهل الدار» او تحالف الشرعية, كما يُحكى في وسائل الاعلام على نحو سطحي ومفّتَعل، فالازمة اعمق مما يظن البعض, وكل منهما «يتغطّى» بالحرب مع الإنقلابيين «الاوائل»، اي جماعة الحوثي، فيما غدت «جماعة» المجلس الانتقالي الجنوبي تحمل صفة «الإنقلابيين الجدد» في نظر حكومة بن دغر, التي لم تتردّد في وصف تحركهم العسكري الاخير, بانه «استعادة لسيناريو وخطاب الحوثيين قبل اجتياحهم صنعاء في ايلول العام 2014» مُهدِّدة بأن «الحكومة لن تسمح بتكرار الماضي الأليم في عدن» على ما غرّد بن دغر في صفحته على موقع التواصل الإجتماعي... «تويتر».
بالمقابِل.. «يُصِرّ» المجلس الانتقالي الجنوبي, على إقالة حكومة بن دغر «الفاسدة»، ويدعو قادَته.. الرئيس اليمني هادي الى «الاستماع لمطالب (شعبه في الجنوب) بإقالَة حكومة الفساد, «قبل ان يخرج الامر عن السيطرة, اذا لم يستجِب هادي لمطالبهم».. ما يعني ان الطرفين يتمترسان في خنادق متقابِلة و»الهدنة» العسكرية التي تم فرضها عليهِما لن تدوم طويلا، اذا ما حاول احد الطرفين تغيير خطوط التماس, التي افرزها انفجار الاوضاع الامنية على هذا النحو العنيف وغير المسبوق, والذي يبدو ان احد الطرفين اراد ان يستبق امورا وخططا كانت تستهدف مناطق نفوذ او ان حلفاء طرف منهما، فأراد جسّ النبض ورصد ردود فعل الطرف الآخر ومواقف هذا الحليف او ذاك, كي يبني على الشيء مقتضاه. وهذا ـــ في ما نحسب ـــ السيناريو الأرجح لمل جرى في أحياء عدن مُؤخّراً، حيث ابدى حلفاء الطرفين «حِرصَهما المُعلَن على الاقل، مواصَلة دعمهما للتحالف العربي في حربه على أنصار الله، معتبِراً كل من جهته: ان «لا عزاء لمن يسعى للفتنة».. دون ان يُسمي احداً منهما, او يُحمِّل طرفاً من طرفي المعارك الاخيرة.. مسؤولية اندلاعها.اللهم إلاّ ما في خصّ دعوتهما لـ»التهدئة وحل الخلافات بالحوار» وغيرها من الاوصاف والمصطلحات العمومية, التي تفضح وتكشف وتعرِّي هشاشة تحالف كهذا, اكثر مما تستُر او تُخفي.
في السطر الاخير.. يبدو ان اليمن قد دخل مرحلة اللاعودة, في التفكّك والانهيار والفوضى. وأن ثلاث سنوات من الحرب فيه وعليه، قد أوصلته الى مربع الفشل والتقسيم والإرتهان لمطامِع وأوهام البعض, الذي وجد في اليمن.. فرصة للتمدّد الجغرافي وتوسيع دائرة نفوذِه ودورِه الإقليمي.
[email protected]