د. زيد حمزة
(ما زلنا نعيش في عالم تحظى فيه قلة ضئيلة بثروات هائلة لا تُصدَّق وتمارس بذلك سيطرةً تجاوزت كل الحدود على الحياة الاقتصادية والسياسية لمجمل المجتمعات البشرية على وجه البسيطة، فمن الصعب استيعاب حقيقة مفادها أن أغنى ستة أشخاص على الكرة الارضية يملكون ثروة تفوق مجموع ما يملكه النصف الأفقر من سكانها قاطبة والبالغ عددهم 3,7 مليار نسمة، وان ثروات الـ 1% الأغنى من سكان العالم تفوق كل ما يملك الـ 99% من سكان القاع، وفي الوقت الذي يعوم فيه هؤلاء على ثرواتهم الاسطورية فان واحداً من سبعة اشخاص في العالم يصارعون للبقاء بدخل يقل عن دولار وربع يومياً، ومن غير المعقول ايضاً أن نجد رؤساء بعض الدول يبذّرون على ترفهم السفيه أموالاً بالمليارات، مثل سلطان بروناي الذي يملك 500 سيارة رولزرويس ويعيش في واحد من اضخم قصور الدنيا المكوّن من 1788 غرفة، ونجد في منطقة الشرق الأوسط حيث أعلى نسبة بطالة في العالم بين الشباب وحيث يعيش 29 مليون طفل في فقر مدقع بلا مساكن تليق بالبشر أو مياه شرب نظيفة أو طعام ذي قيمة غذائية، خمسة من أغني عشرة رؤساء دول يتباهون بالسفر والتجول بطائراتهم النفاثة الخاصة حول العالم! ونجد في الولايات المتحدة جيف بيزوس مؤسس أمازون وأغنى شخص في العالم يملك ما قيمته 100 مليار دولار فلا يتورع عن الاستمتاع بانفاق 42 مليون دولار على بناء ساعة(!) في قلب جبل في تكساس قادرة على الدوران لعشرة الاف سنة في حين يعمل مستخدمو شركته ساعاتٍ مرهقة اكثر واطول ويحصلون على اجور أقل لدرجة أنهم يعتمدون على المعونة من نظام المديكيد وبطاقات المؤن والاسكان الشعبي.. وبالاضافة لذلك ففي الوقت الذي يعيش مئات الملايين من الناس في ظروف بائسة مزرية فان تجار الأسلحة في العالم يزدادون غنىً كل يوم لأن الحكومات تنفق تريليونات الدولارت على صفقات الاسلحة!. ).
هذا الكلام المعادي بكل صراحة للرأسمالية والفاضح لجرائمها ضد الانسانية كنا في خمسينات القرن الماضي نقرأ مثيلاً له في منشورات شيوعية قد تؤدي بحاملها أو موزعها الى الاعتقال السياسي أو حسب القوانين ( الخاصة) الى الزج به في السجن لسنوات عديدة بتهمة التحريض على الصراع الطبقي، وكنا نعرف أن الولايات المتحدة الاميركية كقلعة حامية للرأسمالية العالمية تلطخ المكارثية صورتها في كل مكان تقف وراء تلك الاجراءات القمعية التي تمارسها حكومات عديدة غير ديمقراطية، أما المفارقة الآن فهي ان قائل هذا الكلام الذي قد يُنعت باليساري المتطرف هو السناتور الاميركي بيرني ساندرز (عن فيرمونت) في مقاله في صحيفة الغارديان البريطانية (14 /1 /2018 ) وهو الذي كان قبل عامين قد نافس هيلاري كلينتون على ترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الاميركية أي أنه كان من الممكن ان يفوز بمنصب رئيس الولايات المتحدة لو صمد لنهاية الشوط حتى يواجه دونالد ترامب!.
وبعد أن يستعرض السيناتور بيرني ساندرز في مقاله حالات أخرى عديدة من الظلم الصارخ في العالم فانه يدعو لحركة عالمية تضم المؤمنين بالديمقراطية والحكم التقدمي وتتجمع حول اجندة بسيطة واضحة لتخوض النضال من اجل تطبيقها اذ يقول ( بدلا من الكراهية والانقسام علينا أن نتقدم برسالة أمل وتضامن، علينا أن نطوّر تياراً عالمياً ينتصر على الجشع وايديولوجية طبقة المليارديرية ويقودنا الى العدالة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية ويدعم السياسات التي تهدف لرفع مستوى معيشة الفقراء ويحقق مطالب الطبقة العاملة للحصول على اجور كافية وتعليم شامل حتى الجامعات وتأمين صحي، وعلينا أن نلجم الشركات الكبرى (الكوربورتيس) بعقد اتفاقيات تجارية عادلة وان نمنع التدمير البيئي لكوكبنا بسبب التغيرُّ المناخي..) ، ويوضح بقوله (( لقد أفتضح أمر هذه الشركات الكبرى واصحابها الذين تهربوا من الضرائب في بلادهم وغسلوا أموالاً في الخارج بمبالغ وصلت الى 21 ترليون دولار، وهو مبلغ كافٍ لان يضع حداً لمشكلة الفقر والجوع في العالم وخلق فرص عمل بمئات الملايين من الوظائف الجديدة وتحويل أنظمة الطاقة التقليدية الملوِّثة للبيئة الى المتجددة الآمنة كالشمس والرياح.. ).
وبعد.. لقد نُشر أخيراً أن بيرني ساندرز الذي بلغ السادسة والسبعين من عمره مازال شاهراً سلاحه ولم ييأس بعد فشله السابق فقد قرر خوْض الانتخابات الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة على نفس المبادئ التي ما انفكّ يعلنها، فهل تسمح له القوى الطاغية المتنفذة التي اتهمها وأدانها.. بأن ينجح!؟