د. فيصل غرايبة
تلوت الفاتحة لروح السياسي المؤرخ كليب الفواز في يوم الذكرى السنوية الأولى لوفاته، وشرعت بعد ذلك اتصفح كتابه «أمراء حوران»، الذي لم يمهله القدر أن يعده للنشر بصورة نهائية في حياته ونهضت رفيقة دربه انتصار العرموطي لتوضيبه وطباعته واصداره عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وتتولى نشره في الأردن دار الفارس للنشر والتوزيع، في 336 صفحة من القطع المتوسط، هذا الكتاب الذي ينقسم الى ثمانية فصول، تتناول جذور الامارة السردية والطائيين في العصور الاسلامية، وآل الفواز مبتدأ أمر الامارة السردية، وامارة حوران والجيل الثاني من امرائها، وعلاقة السردية مع القوى والعشائر، والأشارة اللافتة الى دور السردية في حماية الحج والحجيج في نهايات القرن الخامس عشر وبداية القرن الذي تلاه، من اطراف دمشق وحتى مشارف المدينة المنورة، وهو الكتاب الذي استمر صاحبه المثابر في تأليفه مدة عشرة اعوام يبحث عن مصادره الموثقة، في رحلات متواصلة الى عدة عواصم عربية وحتى اسطنبول،تواجهه صعوبة المقاربة بين ما يعرفه وسمعه، اعتمادا على الرواية من جهة وبين الواقع المعرفي الجديد والموثق، وكان عليه-كما عبر هذا الباحث الجاد-ان يقف موقف الحياد، ذلك ان الرواية قابلة للتغيير والاضافة بينما المعرفة الثابتة تعود لزمن توثيقها وتخضع لصدق كاتبها وأمانته.
لم اكن أعرف كليب الفواز منذ فترة طويلة،الا انني بحكم متابعتي للشأن العام،كنت أعرف انه دخل السلك الدبلوماسي مبكرا، بعد تخرجه من قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد، في الجامعة الأردنية،الجامعة الأم التي نمت لدى اجيالها المتعاقبة، وخاصة في تلك الفترة السالفة، روح الاعتزاز الوطني التي يترجمها السلوك الواعي للشباب الأردني الأمين على مصلحة بلاده وأهلها في كل حين. وواصل كليب الفواز حمل رسالة الأردن الهاشمية العربية الوسطية الواضحة،اينما ارتحل في سفاراتنا من نيودلهي الى نيويورك وغيرهما على امتداد العالم والوطن العربي، الى أن استقر به الواجب الوطني في عمان، منذ عشرسنوات ليختار عضوا في مجلس الاعيان ثم عضوا في مجلس الوزراء،وليواصل مسيرته الوطنية المشرفة، عندما تنادى وبعض الشباب الأردني الى تأسيس «حزب الاصلاح»، وينتخب هذا الشاب بعينه امينا عاما لهذا الحزب الصاعد، في فترة اجتياز الربيع الأردني اليانع، الذي تميز عن غيره من صنوف الربيع العربي والدامية في معظمها.
لم يترك كليب الفواز فينا نحن اخوته واصدقاؤه ورفاقه، ذكر سيرته العطرة وسيرورته النقية وسمعته الطيبة فحسب، بل ترك رصيدا من المحبة له والثقة فيه والعرفان لشخصه السياسي والدبلوماسي والحزبي،والذي تعمق في دراسة التاريخ الأردني والبناء الوطني.
وكان، كما نحن دعاة الاصلاح في هذا البلد الأمين وبهذا الحمى العربي المنيع، الذين نؤمن ونقر بحقيقة أن الأردنيين صمام الأمان وخط الدفاع الأول لهذا الوطن، والذي يعتز بانتمائه لأمته العربية، ويواصل حمل رسالتها النهضوية الكبرى، منذ قرابة المائة عام بقيادة هاشمية مظفرة، والذي تتضافر فيه الجهود الشعبية لمواجهة التحديات المستجدة، والناجمة عن الوضع السياسي والأمني في المنطقة العربية عامة، وفي دول الجوار القريب خاصة، وما ينطوي عليه ذاك الوضع من ممارسات للعنف والتطرف، وبشكل مواز ومتآزر مع جهود قواتنا المسلحة واجهزتنا الأمنية.
ان مثل هذا المجتمع الذي تسوده ثقافة المواطنة، قادر على تفجير الطاقات الكامنة وان يخطو نحو قفزة نهضوية اصلاحية،ومحبطا لمختلف محاولات العبث والتخريب ودب الفوضى، من أي مصدر كان وباي شكل تكون.
[email protected]