خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

رجل يقاتل ذباب أنفه

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
عصام قضماني أخيرا رأيت بأم عيني المثل الذي يقول «رجل يقاتل ذباب أنفه».. نعم رأيته واقعا لا لبس فيه فهو يتحقق يوميا وهو ليس من المستحيلات عند العرب، الغول والعنقاء والخل الوفي والسعادة الحقيقية والقناعة وهوس الشباب.

حتى مستحيلاتنا نحن العرب ضد الأمل وضد الحياة فما بلك بعجائبنا، لكن ليس من يقاتل ذباب وجهه من بين هذه المستحيلات على أنني سأطالب أن تكون رقم ثماني فهي بنظري تستحق.

رأيت من يقاتل ذباب وجهه على إشارة المرور وفي الشارع وفي البقالة والمول والوزارة والشركة والبنك، رأيته في كل مكان .

لا ألوم المواطن إذ تجهم، حتى لو فش غله في السائق الى جواره على إشارة المرور أو في إشارة المرور نفسها وحتى لو شتمها وعنف الرصيف، فهو محاط بضغوط نفسية وأحداث متلاحقة لا حصر لها وهي لا تمهله ولا تمنحه وقتا يصحو فيه من واحدة الا وتفاجئه أخرى .. ولكن هل من عذر يجعله ضيق الصدر»؟

حسنا قررت أنا مثلا أن لا أنظر الى من يصدف أنه توقف بسيارته الى جوار سيارتي على إشارة المرور، لكن هل يفعل هو ذلك، وقررت أن لا تلتقي عيناي بعيني الشرطي الواقف على الناصية حتى لا يشير لي بالتوقف بحثا عن مخالفة ربما أكون قد إرتكبتها فعلا، لا أدري، وقررت أيضا أن لا أقود السيارة لوقت طويل، وقررت أن أختصر مشاويري على الضروري منها , وأن أتأهب عند الخروج بكامل عتادي، حبة مهديء وهوية معلقة على مرآة السيارة تبرز عند اللزوم الذي لم يصبح «لزوما»!!

وقررت أن أغير كل عاداتي وطرقي وأساليبي التي أمضيت ما مر من العمر أمارسها، فإذا دعاني صديق الى مقهى أو مكان للتسلية أحاول جهدي أن أفلت وأحاول كل ما أستطعت أن أعتذر وأفتش عن الأعذار المقنعة وغير المقنعة.

بصراحه هذه الظاهرة ليست جديدة فمنذ عقد تقريبا ونحن نعيشها، ويمكن ملاحظة ذلك في حوار العيون بين إثنين لا يعرف أحدهما الأخر توقفا بسيارتيهما على إشارة ضوئية، الإثنان يتأففان ويمقتان شرطي المرور الذي يعتقدان أنه في حالة تأهب لتحرير مخالفة، وهو في حالة فش غل والإثنان يرمقان بعضهما شزرا، وكأن عداوة مستترة نشأت فجأة بينهما، وفي فم كل واحد منهم ماء قد يقذفه في وجه الأخر شتيمة في أي لحظة، و:ان زرا تحت إبهام اليد ينتظر ضغطة لينطلق الغضب .

الحمدلله لم تمنح الإشارة الضوئية وقتا للإنفجارو لكن النفرزة توجت أخيرا بطريقة الدوس على دواسة البنزين فعفطة السيارة، ويمضي كل منه الى طريقه بحثا عن مكان آخر وشخص آخر ورصيف آخر وإشارة ضوئية أخرى وربما مكتب في وزارة أو شركة أو شباك مراجعة أو في البيت عله يحظى بفرصة لتفريغ الغضب، الذي لا يعرف كيف تشكل؟.

ومن أين جاء وما هي أسبابه .؟

هل يا ترى سينتهي بمجرد تفريغه، كلا هو حتما يولد غضبا جديدا .؟

كانت مطالبات قدمت لسن قانون مكافحة الكراهية وبث الفتن، يفترض به أن يغلظ العقوبات ويحاسب بشدة وقسوة هذه الظاهرة التي تجد تهاونا حكوميا ومجتمعيا حتى اللحظة.

يا ناس .. المجتمع الذي أحب أن أعيش فيه هو مجتمع الحرية المسؤولة التي لا تخول لأحد أن يعتدي فيها على حرية الأخرين، أجلس في مقاهيها وأرتاد سينماتها ومسارحها وإستمع الى الأغاني فيها، وأشارك أفراح ناسها وأتراحهم أجوب شوارعها مشيا وجريا، أحافظ على نظافتها وأبتسم لمن يمر فيها الى جواري وألقي عليه التحية وألتزم بنظام السير فيها، أفكر فيها بحرية وأقول رأي بصراحة وأقبل من الآخرين أرائهم، لا أميز بين أحد فيها الا بما يفوقني حرصا عليها وعلى مواردها وثرواتها وأحترم وأقدر تنوع ناسها وتعدد أرائهم وأعراقهم ودياناتهم أمسك عن إصدار الأحكام المسبقة ولاأصرف أوصافا معلبة لا أحكم فيها على مظاهر الناس، فأفعالهم هي المعيار، ومع نهاية كل يوم أدعو الله أن يحفظها ويحفظنا في مساجدها وكنائسها.

نريد مواطنا ،طيبا، ومسؤولا، لا يخاف ضغوط المجتمع ولا وشايا المنافسين ولا شراك الإعلام، نريد مواطنا يتجول في بلده وفي شوارع مدينته في أي وقت وأي مكان دون أن تلاحقه نظرات الشك والتصيد ودون أن يحتاج لأن يعلق هويته على مرآة السيارة وأنا لا أريد أن أقاتل ذباب وجهي..

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF