محمد خروب
نعى المشير خليفة حفتر «اتفاق الصخيرات» بعد انقضاء عامين على توقيعه برعاية الامم المتحدة، مُعلِناً رفضه «الخضوع للمؤسسات المُنبثِقة عنه، في اشارة واضحة الى المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بقيادة فائز السرّاج، تلك الحكومة التي تُوصَف بـِ»الشرعية» كون المنظمة الدولية، لا تعترف بحكومة على الاراضي الليبية (المُمزّقة وموزَّعة الولاءات والمرجِعيات).. غيرها.
اعلان الجنرال حفتر خَلَطَ الاوراق الليبية.. المخلوطة والمبعثرة اصلا، وأعاد في الوقت ذاته «الحرارة» للإتصالات الدولية والإقليمية التي فترَت في الآونة الأخيرة لأسباب عديدة, ليس اقلها ترجُع موجات هجرة اللاجئين نحو أوروبا ، مع بروز مسألة الاتجار بالعبيد على المشهد الليبي المحزِن, ما زاد من الضغوط السياسية وغيرها على الاطراف الليبية, التي ظن بعضها ان مهمة المبعوث الدولي لليبيا غسان سلامة, ستكون مختلِفة في آلياتِها ومقارَباتها ونتائِجها لاحقا عن تلك التي انتهى اليها المبعوثون الخمسة السابقون, والذين لم يحرزوا نتائج تذكَر لأسباب منها ان بعضهم تعاطى مع الليبيين بفوقية واستعلاء (الاسباني برناردينو ليون) وآخَر اراد استنساخ تجربة بلاده في الحرب الاهلية (اللبناني طارق متري) فيما بدا الآخرون (باستثناء المبعوث الأول الأردني عبدالإله الخطيب الذي استشعر مبكِرأ استحالة مهمته, فآثر الخروج من هذا النفق الذي حفره الغزاة الأطالسة, ووُجِد بين العرب مَنْ اهتبل الفرصة للإنتقام «بأثر رجعي» من الاخ قائد الثورة) وكأنهم استسلموا لطوفان الفوضى والعنف الذي ضرب ليبيا فآثروا السلامة, ولم يبذلوا جهدا يذكَر إلاّ بعد ان تعِبَ قادة الميليشيات والمحاور الليبيون, حيث تم «اقناعهم» بالتوقيع على اتفاق الصخيرات, وإن كان معظمهم أضمَر في داخِله عدم الإلتزام بهذا الاتفاق, على النحو الذي رأيناه الآن قد فقَد قيمته في نظر البعض, ولم يعد مُعتَبَراً لآخرين، فيما استمر غيرهم بالرهان على دعم بعض العواصم العربية, التي ما يزال بعضها يعيش اوهام الهيمنة والتوسُّع, وربما الحلم (غير القابل للتحقيق) بقيادة أمة عربية مُفكَّكة ومُهانَة ولا تحظى بأي اهتمام من عواصم القرار الدولي. سوى ما تبقّى من اموالها وثرواتها, وإقامة قواعد عسكرية على أراضيها.
ما علينا..
قد يكون حادث اغتيال «عمدة» بلدية «مصراتة» يوم امس ،وهو اليوم الذي نعى فيه الجنرال حفتر اتفاق الصخيرات, مؤشرا على حجم الفوضى في المشهد الليبي، اذ ان مصراتة ليست مجرد «بلدية» في الفضاء الليبي, بقدر ما هي «خزان» ميليشيات... قوية ونافِذة, فضلا عن كونها «بوابة» لدخول متطوعين واسلحة وتنظيمات جاهزة للاصطفاف الى جانب هذا الطرف او ذاك, عندما يحين موعد «الحسم» العسكري, الذي يبدو ان هناك من يراهِن عليه، وربما يكون المشير حفتر على رأس هؤلاء.ليس فقط في انه وعند اعلانه «التلفزيوني» عن انتهاء صلاحية « الصخيرات» رَفَضَ اسلوب التهديد والوعيد, قال: ان جيش ليبيا لن يخضع لأي جهة «غير مُنتخَبة»، وانما ايضا في ما كان قد تسرّب مؤخرا عن اتفاق «عسكريين ليبيين» في جولة رابعة جمعتهم في القاهرة, وتوصّلِهم الى «تفاهمات ممتازة» (على ما وصفها الناطق باسم جيش حفتر.. احمد المسماري) بشأن توحيد المؤسسة العسكرية, لافتا الى «إنجاز هذه المهمة بشكل ناجح, حتى الآن، بما يُرضي ابناء المؤسسة العسكرية، و»يعود على ليبيا والمنطقة ودول الجوار بالامن والاستقرار».. في الوقت ذاته الذي عاد فيه سيف الإسلام القذافي الى الاضواء, عبر «رِواية» سرّبها محرر الشؤون الدولية في صحيفة الغارديان البريطانية جوليان بورغر، بان نجل القذافي قال مؤخرا خلال اتصال بشخصية أميركية يعرفها منذ وقت طويل: انه (سيف) هو مَنْ قام بجمع القوة التي سيطرت على مدينة صبراته، وانه سيمضي الى طرابلس(...).
الى أين من هنا؟
الكل يتحدث عن دورِه.. يُضخِّمه او ينفخ فيه او يستدرج عروضا، لكن ليبيا وشعبها هما من يدفعان الثمن. دول الجوار الثلاث ترفُض دفن اتفاق الصخيرات، وترى فيه فرصة لاخراج ليبيا من عواصف العنف والفوضى، والمبعوث الاممي غسان سلامة, لا يُخفي رغبته في تطبيق او تكرار «الحل التونسي» في ليبيا، باعتبار انه كان طرفا في التجربة التونسية قبل ثلاث سنوات (على ما قال مؤخرا لصحيفة الشرق الاوسط اللندنية): «عندي تجربة بسيطة ومتواضِعة, اتكلَّم عنها بفخر.. قال سلامة مضيفا: في سنة 2014 تمكنّا من جمع كل قادة الاحزاب في تونس، ووقَّعوا امام كاميرات العالم، على تعهّد بقبول نتائج الانتخابات قبل اجرائها.. اسعى لهذا الامر في ليبيا»، مؤكداً ان حل الازمة الليبية يعتمد على ثلاث ركائز هي: الدستور والانتخابات والمصالَحة الوطنية.. فهل ثمة شك بان ما وقّعه الليبيون في الصخيرات كان امام.. كاميرات العالم؟ لكن احدا لم يلتزم توقيعَه, ولم ينفذ تعهّده.
الثقة مفقودة و البوصلة ضائعة ,فيما التدخلات الخارجية العربية والأوروبية خصوصا,ذات بعد أنانيّ ولا تهمها مصالح ليبيا وشعبها, الا اذا وفّرَت لها مجالا حيويا ونفوذاً جيوسياسياً او مصدرا للثروة والتوسع, ودرء مخاطر الهجرة. والأخير همٌّ اوروبي استعماري محض.
في السطر الأخير.. الحسم العسكري في ليبيا مستحيل, لاسباب عديدة ليس اقلها وجود من هو مستعِد لتقديم الدعم العسكري لمن يُبقي على الفوضى والفلتان الامني في ذلك البلد العربي المنكوب, اما إعادة تعويم اتفاق الصخيرات فتبدو «فرصته» هو الآخر ضعيفة وصعبة.. ما قد يعني ان ليبيا مُرشَّحة لسنوات اخرى من العنف وهيمنة الميليشيات وإنعدام وجود حكومة مركزية قوِيّة, تنهض بالبلاد وتقيلها من عثراتها ونكباتها.. الممتدّة.
[email protected]