محمد خروب
فيما يسعى الأميركيون جاهدين للإبقاء على وجودهم العسكري غير الشرعي على الاراضي السورية, ويتوسلون أعذاراً وأسباباً غير مقنعة تكشف ضمن أمور اخرى، سعيهم لنسف الحل السياسي للأزمة السورية, ويُبدون دعماً لمعارضات الخارج ومنصّاتِه, بعد ان تمسك هؤلاء ببيان «الرياض2» كوسيلة لإفشال مفاوضات جنيف8 التي انتهت كما كان متوقعاً الى طريق مسدود, بعد أن رفض معارضو الخارج التخلّي عن هذا البيان, الذي لم يكن وارداً لدى وفد الحكومة السورية القبول به في مرحلة سابقة، ما بالك وبعد ان لم يَعُد لدى معارضي الخارج – كما بقايا معارضي الداخل – اي قوة او وسيلة او حليف, يمكنه ترجمة شرط رحيل «الاسد وزمرته» على ارض الواقع.. ويبرز في الاثناء الدور غير المفهوم للوسيط الدولي دي ميستورا, الذي رغم علمه ان بيان الرياض2 ينطوي على شرط مُسبَق، إلاّ انه لم يتردّد في تحميل الوفد السوري الرسمي مسؤولية فشل الجولة الاخيرة من جنيف.
نقول: في خضم ذلك المشهد الذي يريد له الاميركيون ومعارضو منصّات الخارج... المُنهَكون والمُفلِسون, ان يكون اكثر تعقيداً، تبرز مسألة «الجيب» الكردي في منطقة الجزيرة وشرق الفرات السورية، هذا الجيب الذي تمدّد وتضخّم على نحو غير مقبول, والمُثير للريبة والشك في مراميه وأبعادِه, وبخاصة انه ما يزال الحجة او الذريعة الوحيدة لبقاء قوات الاحتلال الاميركي على الاراضي السورية، هذا الوجود الذي أخذ في الآونة الاخيرة بُعداً دراماتيكياً آخر، عندما زعم الاميركيون ان الطائرات الروسية «حاوَلت» الدخول الى المجال الجوي (..) الاميركي شرق نهر الفرات, ما كاد يؤدي الى اشتباك لا تُعرَف آثاره وتداعياته بين الطائرات الروسية والاميركية, لولا لجوء الطرفين الى «الخط الساخن» بينهما للحؤول دون تصعيد الأمور.
ولذا كان معروفاً للجميع ان ليس ثمة مقارَنة بين «شرعِية» الوجودين الروسي والاميركي على الاراضي السورية, حيث قَدِم الروس الى سوريا بطلب رسمي من حكومتها الشرعية, فيما تدخل الاميركيون كعادتهم بطريقة عدوانية سافرة، فإن الحديث يدور في الاوساط الكردية السورية الآن عن مستقبل «غامض» لمشروعهم غير القابل للتحقيق اصلاً, في حال تخلّى الاميركيون عنهم, وبخاصة في ظل محاولات اميركية آخذة في التبلور لاسترضاء تركيا وسحبها من «المثلث» الذي يكاد يتحول الى حلف ثلاثي (وإن كان يحتاج الى وقت طويل كما يجب التنويه) بين روسيا وايران وتركيا، الأمر الذي تنظر اليه واشنطن بخطورة، في ظل سياستها الجديدة ازاء طهران والتي تبلّوَرت في التصريحات الهجومية الحادة التي أدلت بها المندوبة الاميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي, والتي كشفت من خلالها عن جهود اميركية لإقامة «تحالف دولي» ضد ايران على غرار التحالف الذي اقامته سابقاً ضد العراق, وأدّى في النهاية الى احتلال وتدمير هذا البلد العربي الرئيسي والمركزي في المنطقة.
الاميركيون في نظرتهم لكرد سوريا لن يترددوا طويلاً في الاختيار بين هؤلاء وبين حليفهم «المُزعِج» في الناتو والذي ما يزال (اردوغان) لم يحسِم خياراته بعد, للسير في خيار يُرجِّح انه سيخدِم مصالِحه, التي باتت مُستهدَفة وموضع شكوك اصلاً لدى مستشاري صانع القرار في القصر الابيض (القصر الرئاسي التركي) وخصوصاً بالنسبة لطهران وحتى لموسكو, رغم الدفء «المتدفِّق نسبياً» الذي ميّز علاقات بوتين باردوغان, حيث التقيا ثماني مرات.. هذا العام.
اكثر ما يخيف كرد سوريا هو الموقف الاميركي الاخير من كرد العراق, الذين شكّلت «تجربتهم» او قل مشروعهم الإنفصالي الذي بدأ عملياً بعد العام 1991، «مثالاً» لكرد سوريا ورغبة منهم في تكراره, ولكن وِفق أسس أقل استفزازاً من المقاربة والآليات والتوجّهات التي اعتمدها كرد العراق (لأسباب جيوسياسية وديموغرافية وليس لأسباب عقلانية او واقعية)، ولكن التجربة انتهت الى نكسة مدوية, بعد النهاية «التراجيدية» للإستفتاء الذي أصرّ على اجرائِه والمضي قُدماً في تحدي التحذيرات العديدة التي انهالت عليه.. الرئيس السابق للإقليم مسعود بارزاني.
كرد سوريا الذين يُبدون «زهواً» بقوتهم العسكرية حدود المبالغة والغرور، لا ينظرون الى حقائق الميادين العسكرية بعيون يقِظة، تقرأ في طبيعة التحالفات القائمة الان والتغييرات الدراماتيكية التي طرأت على «سوريا» خلال السنوات السبع الأخيرة, التي عربد فيها الإرهاب والتدخل الخارجي.. العربي والإقليمي والدولي، وهم في ما اصبحت عليه قوتهم العسكرية, التي عمادها ميليشيا وحدات حماية الشعب «YPD» بما هي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري «PYD»، ربما يعتقدون ان لديهم من «فائض القوة» هذه, ما يمنحهم افضلية «سياسية» في مقبل الايام وبخاصة على ابواب حوارات سوتشي المُتوَقَّع ان تبدأ في شباط القريب, مع بروز محاولات روسية لإشراكهم فيها, رغم معارضة تركيا الشديدة, في الوقت ذاته الذي يُبسِط الروس حمايتهم على منطقة «عفرين» التي لوّح اردوغان اكثر من مرة باجتياحها, لكن يبدو ان «قمة» سوتشي الثلاثية الاخيرة بين بوتين وروحاني واردوغان.. «برّدت» الموقف التركي.
ليس ثمة مستقبل لمشروع كرد سوريا «الفيدرالي» غير الواقعي, والإنخراط في الحوار الوطني السوري الشامل, هو الطريق الوحيد لبناء سوريا الجديدة, وِفق توافُق وطني واسع, بعيداً عن اي اوهام زرعها البعض في رؤوسهم, او ظنوا لفرط سذاجتِهِم, ان من سوّقوها لديهم قادرون على تحقيقها, وخصوصاً بعد ان هُزِمَ مشروع إسقاط الدولة السورية. ولن يختلِف مصير المخطَّط الأميركي الجديد, الذي فضَحته وزارة الدفاع الروسية يوم امس, لإنشاء «الجيش السوري الجديد» والقائم على «تجميع» بقايا داعش, والذي يتم الآن في مخيم للاجئين في مدينة الحسكة السورية... مُختلِفا ومحكوما بالإندِحار.
[email protected]