يبدو كأن الحكومة ستريح ضميرها وتقوم بما عليها تجاه مكافحة التهرب الضريبي بالنص في القانون الجديد على تغليظ العقوبة على المتهربين ، وتحويل المخالفة من جنحة إلى جريمة.
تغليظ العقوبة ليس بديلاً عن إجراءات الكشف عن الحقيقة في أعمال المكلف ، فالكل يعرف أن الأطباء والمحامين وباقي المهنيين والمؤسسات السياحية وأمثالهم لا يقرون بكل دخولهم ولا يمكن وضعهم في السجون ، ولكن هناك وسائل للبحث عن الحقيقة والكشف عن التلاعب.
لماذا تستطيع الشرطة أن تكشف المجرمين وتقدمهم للعدالة بالرغم من غموض القضايا وإمكانية الإفلات من العقاب ، وكيف تســتطيع المخابرات أن تكشـف عن المتواطئين مع الإرهاب وتسلمهم للقضاء مع وسائل الاثبات ، لماذا لا تقوم دائرة ضريبة الدخل بشيء من هذا القبيل ، بخاصة وأن الكشف عن حالة طبيب متهرب تكفي لإثارة رعب جميع الأطباء المخالفين.
القانون الحالي ليس متسامحاً مع التهرب وعدم الإقرار بالدخل الحقيقي ودفع الضريبة المستحقة ، ولكن القانون غير مطبق ، فليس هناك من ينصب كميناً للأطباء والمحامين والمستوردين والمقاولين وأمثالهم بأسلوب مخابراتي علمي منظم.
أطباء التجميل يعالجون يومياً عشرات السيدات الباحثات عن الجمال المصطنع ، ويتقاضون من كل منهن مبالغ طائلة يصل بعضها إلى 300 دينار مقابل عمل يستغرق بضع دقائق. وفي آخر السنة يدفعون إيراد يوم واحد كضريبة عن السنة باكملها.
العقوبات الواردة في القوانين الراهنة تكفي لإثارة رعب المكلف المتهرب لو عرف أن الدائرة تطبق وسائل إثبات علمية.
المفروض أن يكون الجزاء من نوع المخالفة ، ذلك أن معظم إن لم يكن جميع المتهربين من الضرائب هم رجال أعمال ناجحون ويحققون أرباحاً يتم إخفاء جانب منها.
وضع هؤلاء في السجن يلحق الضرر بالمخالف ولكنه يلحق الضرر بالتحصيل لأن دائرة ضريبة الدخل شريكة في نشاطات ومكاسب هذا المواطن ، ووضعه في السجن يعطل أعماله ويوقف أرباحه فيلحقه ضرر ولكن الدائرة لا تكسب شيئاً بل تخسر ما كانت ستجنيه لو استأنف المخالف أعماله بعد تغريمه مبلغاً موجعاً.
إن غرامة تعادل قيمة المبلغ غير المعترف به تشكل عقوبة قوية لمخالف ، وإيراداً للدائرة ، وضماناً لاستمرارية العمل والإنتاج.
المشكلة ليست في تغليظ العقوبة ، وقد ثبت ذلك في موضوع الشيكات المعادة لعدم كفاية الرصيد حيث وضع كثيرون في السجن وتعطلت أعمالهم وكان يمكن الحكم عليهم بالغرامة.
