ذات يوم , أوقفني المدعي العام على خلفية مادة صحفية نشرتها ...وحين خرجت من السجن , كان أول اتصال يأتيني من الشيخ (طايل الفايز) ..وفي اليوم الثاني قلبت ما كتب عن توقيفي , وفوجئت بمقال ..كتبه (الشيخ طايل) في موقع (رم) عني ..
كان وقتها يشكو من المرض , ويريد زيارتي ..فأخبرته أن حق الشيب وفروسية صاحب الشيب تجيز لي أن أزوره أنا ...وليس هو ... وزرته وقبلني وضمني , وبقينا نتحدث عن المقالات ..وعن المواقف , وعن عاكف الذي عبر ومثقال ..وعن الأولاد والأحفاد , والزمن الذي كان يحتضن فيه البدوي , لهيب الصحراء بدفء العيون وشوق المحب .
قال لي الزملاء بعدها في (رم)عن قصة المقال, قالوا أنه جاء غاضبا ...ونادى على محرر , وطلب منه نشر المقال كما هو , وتحدث مع دولة فيصل الفايز ..معاتبا ومتعبا ..وأكثر أنواع العتب واصدقها هي عتب المتعب من الخطى والأيام .
أتدري يا صديقي الغائب , إن رجفة كأس الشاي في يدك ما زالت عالقة في خاطري , واللهجة البدوية ..كانت من فمك أحلى , وهواتفك الصباحية التي كانت تأتيني حين يعرج مقالي على البدو وخطاهم ..كانت أشهى من صباحات عمان الندية , وبندر اليماني الذي كان يرن من هاتفه ..ويخطرني أنك تريد الحديث معي , كان يشعرني أنك من جيل شب على الدنيا ..وزاده العشق والفرح والصبر ...
أنا افتقدك يا طايل البدوي , وأنا لم أحضر إلى مضافة العزاء ولا حتى الدفن لأني مؤمن أن من هم مثلك واجب اللحظة , وأخلاقية المواقف ورجولتها التي تحفظها في قلبك للناس تلزمني بأن أكتب عنك هذا الصباح ...وعن أيامك وزمنك الحر , حين كنت أوسم فتية بني صخر ..الذين صعدوا متاريس الحياة والغرام , ولم ترهبهم غبار الخيل ..ولا حتى سطوة البعض , ولم يخافوا ..من موقف أو رجل ...بل شحذوا شغاف القلب وفردوه للناس محبة وهبات من الفرح ...
يا طايل البدوي , حزين عليك جدا يا صديقي ..ويا شيب الأيام النبيلة ويا ابن الخطى القلقة العاشقة , حزين عليك جدا ..وأدري أنها الأقدار , ولكني كنت أحفظ لك دينا قديما في قلبي , والكلمات أعرف أنها لن تسد ولو اليسير مما منحتني اياه ...ولكنك في القلب طايل البدوي , اجمل الرجال طلة وأنبلهم موقفا ...وأغلاهم شيبا , لك الرحمة يا صديقي ...
