رأينا
ليس من المبالغة القول أن نشر جلالة الملك عبدالله الثاني للورقة الملكية النقاشية السابعة, جاء في التوقيت المناسب وبخاصة في ظل النقاش الوطني الافقي والعامودي حول مسألة تطوير التعليم وبروز اراء ومواقف مختلفة, يمكن القول انها طبيعية ومطلوبة ما دامت تجري في اطار حوار حضاري هادئ ومنفتح بعيداً عن اجواء التشكيك والتخوين واحتكار الحقيقة من قبل البعض أو الظهور بمظهر العدمي الرافض لأي تطوير او تغيير في الاساليب والاليات والمناهج بذريعة المحافظة على التقاليد وغيرها من الحجج والذرائع التي لا تصمد أمام الواقع ولا رصيد لها ايجابياً في عصر يمتاز بالسرعة والابتكار والانجازات المتلاحقة واستناداً الى كم هائل من الابحاث والدراسات العلمية الرصينة ودعم العقول البشرية المبدعة التي تنهض بدورها ومسؤولياتها تجاه شعوبها والبشرية جمعاء..
من هنا وفي السياق ذاته جاءت الورقة النقاشية السابعة لتطرح الامور كما هي بعيداً عن الاطناب في الشرح او الاسهاب في التبرير بل سمّت الاشياء بأسمائها ودعت الاردنيين كافة للتعاطي مع مفهوم وجوهر نهضة الامة الذي يقوم في الاساس على بناء قدراتنا البشرية وتطوير العملية التعليمية وبغير ذلك فإننا لن نحرز أو نحقق الاهداف النبيلة التي نسعى اليها.. على قاعدة ان مواكبة تحديات العصر لا تتم الا بأدواته المعرفية الجديدة الامر الذي يستوجب ترجمة طموحنا بأن يكون الاردن قائد مسيرة تحديث التعليم في العالم العربي وهو أمر في متناول اليد نظراً لتجربتنا التربوية والتعليمية الرائدة والتي يجب وبالضرورة ان تتواءم مع مستجدات العصر وتحدياته, ما يفرض علينا بالتالي وضع مناهج دراسية تفتح ابواب التفكير العميق وهذا يجعل من مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا مصانع حقيقية للعقول.
الورقة النقاشية السابعة لا تتجاهل في اطار الاضاءة على تحديات العصر وضرورة عصرنة التعليم بعض القضايا والملفات التي تأخذ النقاش حول التعليم نحو مسارات ومسارب خطيرة وبخاصة من قبل الذين يسعون الى زج العملية التعليمية في مناكفات ومصالح ضيقة ما يعرض الاهداف التي نسعى اليها للتشويه ومحاولات حرفها عن مضمونها وتحميلها ما لا تحتمل من تفسيرات مغرضة.. لهذا جاء وصف الورقة لهذه المحاولات الخطيرة في اطار التحذير من مغبة محاولات كهذه وبخاصة في ظل تطلعنا الى أردن قوي يقدم لابنائه تعليماً يؤهلهم لمواجهة التحديات الامر الذي يدفعنا للقول وبلا تردد أنه ليس مقبولاً على الاطلاق السماح للتردد والخوف من التطوير ومواكبة التحديث ان يجد طريقاً الى صفوفنا لأننا محكومون بأن نتقدم وان نواكب التحديث والعصرنة وان لا نتخلّف عن ركب العلم والمعرفة والانجاز, فالتغيير يفرض نفسه ويثبت ذاته ويمضي بالفعل غير عابئ بمن يخشونه.
ولأن جلالة الملك يقرأ على الدوام في الكتاب الاردني الوطني المستند الى تراث عظيم من الدين الاسلامي الحنيف والقرآن الكريم فإن الورقة النقاشية السابعة كانت على درجة عالية من الوضوح والشفافية في التأكيد على حقائق لا نحسب أن أحداً يختلف عليها وهي أن ابناءنا لا يستطيعون ان ينهلوا من التراث الا اذا احبوا لغة القرآن وفي ذلك اشارة عظيمة الى اهمية ان يكون تعليمنا للغة القرآن اللغة العربية كفؤاً وعملياً وعلمياً وصارماً ايضاً, في الوقت ذاته الذي يعني اننا بتغيير مناهجنا من اجل مواكبة العصر والتصدي لتحدياته لا نتنكر لماضينا المجيد وحضارتنا العربية والاسلامية, بل نستلهم منهما..
الورقة النقاشية الملكية السابعة منحت فرصة لا تتكرر لاثراء النقاش الوطني حول ملف التعليم وتوسيعه وتعميقه والخروج منه بقناعات ورؤى عصرية وبخاصة ان جلالة الملك يقول في الورقة لا شيء يعدل التعليم في مسيرة بناء الدول وتغيير وجه العالم الى الاجمل ودائماً في أن الاستثمار في مستقبل ابنائنا.. هو عماد نهضتنا.
.. للحديث بقية.