رأينا
في مقابلته المستفيضة والصريحة والواضحة مع صحيفة «واشنطن بوست» الاميركية حدّد جلالة الملك عبدالله الثاني وفي قراءة دقيقة وعميقة للمشهدين الاقليمي والدولي ملامح المرحلة المقبلة التي باتت التحديات العديدة التي تواجهها المنطقة والعالم، تفرض نفسها على الجميع ما يستدعي مواجهة هذه التحديات والاخطار وبخاصة الحرب الفكرية التي ابدى جلالته خشيته من شعور المسلمين في الغرب بانهم مستهدفون في الوقت ذاته الذي اكد فيه جلالته اننا مستعدون لمواجهة الارهابيين وعلينا محاربتهم اينما وجدوا، دون اهمال الحقيقة التي طالما لفت اليها جلالته في اكثر من قمة ومحل ولقاء ونقاش وحوار مع فعاليات سياسية وشبابية ودبلوماسية وفكرية واكاديمية في المنطقة وفي اوروبا والولايات المتحدة على وجه الخصوص وهي ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي انما يؤجج التطرف ولا بديل عن حل الدولتين.
ولان جلالة الملك يمنح الاوضاع الداخلية جل اهتمامه ويضعها على رأس اولوياته فان جلالته حرص في بداية مقابلته على تأكيد نهج طالما كرّسه في المشهد الوطني وهو ايلاء الوضع الاقتصادي للاردنيين كامل رعايته بل هو مبعث قلق جلالته على نحو حدد فيه الهدف الاول لدى جلالته وهو التأكيد على ضرورة تعزيز الدعم للاردن في هذه المرحلة والمرحلة المقبلة كي يتاح للاردن لاحقا ان يتمكن من الاعتماد على نفسه وعلى انتاجية شعبه وهو هدف نحن على ثقة بانه سيتحقق في النهاية لان مسيرة الاصلاح الشاملة التي يقودها جلالته والتي قطعنا فيها شوطا كبيرا وواعدا ستعطي اكلها في القريب رغم كل ما يحيط بنا من ازمات وحروب وتحديات.. الامر الذي كشف عنه جلالته في تأكيد على هذا الخيار وهو بذل جهد ملكي حثيث ودؤوب لتحقيق النمو الاقتصادي والاهتمام الشعبي وما نريده خلال السنوات الاربع او الخمسة المقبلات للخروج من اطار اعتمادنا على المساعدات الخارجية.
الصحفية في الواشنطن بوست لالي ويموث، طرحت اسئلة عديدة ومتنوعة على جلالة الملك وكان جلالته كما هي عادته على الدوام على اعلى درجات الوضوح والصراحة ولم يتهرب من أي سؤال او يحاول اضفاء الغموض عليه بل اجاب عليها جميعا بكل ما عرف عنه من صدقية وانفتاح وشفافية مكرساً النهج الذي اعتمده جلالته منذ تسلمه سلطاته الدستورية وهي المصارحة والشفافية بعيداً عن اللغة او الاجابات حمّالة الأوجه وهو ما منح جلالته تقدير واحترام العالم اجمع والتي تجلت مؤخراً في كلمات الاشادة والتقدير التي قالها الرئيس الاميركي دونالد ترامب في المؤتمر الصحفي الذي جمعه وجلالته الملك في واشنطن مؤخراً.
ولعل تأكيد جلالته على خطورة الاعباء الكبيرة التي يتحملها الاردن مع وصول نسبة اللاجئين في بلدنا الى عشرين في المئة من اجمال عدد السكان وكشف جلالته اننا نعمل على اعادة هيكلة قواتنا المسلحة لتخفيف النفقات، تؤكد حجم الاستنزاف الذي يعانيه اقتصادنا الوطني ومواردنا وبنانا التحتية المستنزفة اصلا، ما يعني ايضا ان الدعم غير الكافي الذي يتلقاه الاردن من الدول المانحة، باتت عبئاً هو الاخر لانه يفاقم من عجز موازنتنا ويزيد من النفقات لمواصلة تقديم الخدمات الاغاثية والانسانية للاجئين السوريين وغير السوريين على ارض وطننا.
ولان الازمة السورية باتت التي تتواصل منذ ست سنوات، باتت مفتوحة على احتمالات عديدة وتزايد اعداد اللاعبين على ساحة سوريا، فإن جلالة الملك كان واضحاً جداً في التأكيد على مسألة يجب ان لا تغيب عن ذهن احد وهي ان مجيء لاعبين آخرين من تنظيمات وغيرهم الى حدودنا، لن يتم التهاون معه ابداً وفي ذلك رسالة ملكية لا ينقصها الوضوح وهي بمثابة تحذير ان يأخذه هؤلاء بعين الاعتبار تحت طائلة المسؤولية التي يعرفون هم قبل غيرهم مدى جدية الاردن في التعاطي مع هذه المسألة التي لا تهاون فيها ولا تهادن، في الوقت ذاته الذي أكد فيه جلالته وفي رسالة اخرى مثقلة بالمعاني والدلالات اننا مستعدون لمواجهة الارهابيين وعلينا محاربتهم اينما كانوا.
جلالة الملك في ما خص الأزمة السورية التي كان جلالته من اوائل الذين أكدوا ان لا حل عسكرياً لها وان الحل السياسي هو الطريق الاجباري لاخراج سوريا من ازمتها، أعاد التأكيد على ان الحاجة باتت ماسة الى نظام سوري مقبول من الشعب السوري كذلك في ان الهجوم الكيماوي الاخير في سوريا هو مأساة انسانية بشعة طالت المدنيين ولا بد من معاقبة المتسببين به.