الاب رفعت بدر
لا أذكر اسم المفكر القائل بأن حياة الإنسان تنتقل «من بداية إلى بداية، وإلى بدايات لا نهاية لها». هكذا الأمر في القمة العربية، فقد شكلت بلا شك بداية جديدة ونسخة محسّنة من العلاقات والبدايات الطيبة في التواصل وبناء جسور الأخوّة والتعاون بين مختلف البلدان العربية. وبوجود ضيوف أمميين، بنت القمة جسورًا بين العرب والمنظمات الدولية المؤثرة.
المهم أننا عبرنا في هذه التجربة بنجاح كبير، وإن كنا نتمنى مشاركة جميع البلدان بلا استثناء، لكن وكما يقال: «التمس لأخيك عذرا» ، وكذلك «الغايب حجته معاه».
نتأمل في الوثيقة الختامية التي شكلت إعلانًا جديدًا يختلف بتسميته عن كونه بيانًا عاديًا، لنقول بأنه أضاف إضافة نوعية إلى البيانات أو الإعلانات الصادرة عن بعض العواصم في السنوات الأخيرة. فهنالك إعلان بيروت ومراكش والدوحة ومؤخرًا الأزهر للمواطنة والتنوع. لكن بيان عمّان قد كان عربيًا بامتياز، كونه الإعلان الأول الصادر عن القمة العربية، هذه المؤسسة التي تعرّضت لنكسات كبيرة إلا أنها تخطت ذلك وأبحرت سفينتها – في البحر الميت- نعم ولكنّه بحر قد بات رمزًا للحياة والحيوية والتجدد.
كانت هذه القمة الأولى في المتابعة عبر «السوشال ميديا» أو مواقع التواصل الاجتماعي المباشرة ، وبالتالي لم يحصل المواطن العربي على خدمة المشاهدة المباشرة فحسب، بل كان بإمكانه أن يضع التعليق المباشر أيضًا. ومع الأسف، شاهدت العديد من المواقف السلبية والتعليقات البائسة، ومردّها إلى الأحكام المسبقة والكليشهات الحاضرة، وفهم خاطىء لحرية التعبير. فالأصح أن يكون التعليق نابعًا ممّا يُقال، وليس مما يقاس على ضعف خبرات سابقة. كنا نتمنى طبعًا لو كان هنالك نسبة مشاهدة أوسع، وكذلك أن يكون السواد الأعظم من التعليقات إيجابيًا. أما أعداد المسجلين للصحافة والإعلام فليس جديدًا، ذلك أنه لدينا خبرات سابقة في هذه الميادين، مثل زيارة البابا، كما قال الناطق الرسمي في إحدى مقابلاته. نحن معتادون على هذا الكم الهائل من المشاركة والملفت هو ازدياد المشاركين تحت عنوان المواقع الإلكترونية وليس فقط الوكالات التقليدية ، وكذلك فقد كان لمشاركة الطلبة الجامعيين في اختصاص العلوم السياسية، البشارة الخيّرة في اعداد قيادات جديدة للمستقبل.
الملاحظة الأخيرة هي أمنية، ذات شقين، الأولى تتعلق بما كتب في البيان –الإعلان- من واجب إيلاء التربية والتعليم مساحات أوسع، وهذا ما تحدث حوله بإسهاب سعادة العين طلال أبوغزالة على الشاشة الأردنية التي أبدعت بتغطية الحدث من ألفه إلى يائه. أما الشق الثاني، فهو من باب الامنية التي لم تحدث ، وهي تضمين الاعلان الحث على الحوار بين الأديان وتربية الأجيال الناشئة عليه كوسيلة للتعاون المتبادل، ومن خلاله لتحصين الشباب بعيدا عن انياب التعصب والتطرف. لقد ركز المؤتمر على العلاقة الفريدة بين الاردن والمقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس الشريف ، وهذا بالطبع مصدر فخر واعتزاز كبيرين. لكن بالمقابل كان بودنا ان نسمع كلمة تعزيز من الاعلان الختامي على مواصلة جهود الحوار الاسلامي المسيحي ، في سبيل تصدٍ مشترك لآفات التعصب والتفرقة. نهاية ، لا يسعنا إلا أن نقول: الله يعطي العافية لكل من أسهم بنجاح القمة، وإلى بداية أخرى إيجابية بإذن الله. ومن قمّة إلى قمّة، عاشت المحبة الأخوية.
[email protected]